ويُتابع هؤلاء المنافقون عملية الإيحاء بالأفكار السلبيّة التي تملأ نفوس المؤمنين حسرةً وألماً وتُبعدهم عن خطّ الإيمان في تصوّراتهم الحياتية ،ويصوّر لنا القرآن هذه العمليّة: [ الذين قالوا لإخوانهم] الذين قتلوا في المعركة [ وقعدوا] فلم يخرجوا معهم ليقاتلوا المشركين [ لو أطاعونا] في البقاء في بيوتهم والقعود عن القتال وهو ما أمرناهم به [ ما قتلوا] فهم قد عرّضوا أنفسهم للقتل ،أمّا نحن فقد استطعنا أن نحفظ حياتنا بقعودنا عن الخروج ،وذلك بحصولنا على السَّلامة من الموت .[ قل] يا محمَّد [ فادرأوا عن أنفسكم] أي فادفعوا [ الموت] إذا كنتم تملكون أسباب الحياة والموت وتعرفون مصادر الموت وموارده ،فإذا كانت مسألة الحياة هي القعود عن القتال والبقاء في البيوت ،وكانت مسألة الموت هي الاندفاع إلى الحرب والمشاركة فيها ،فهل تستطيعون الحصول على الخلود وأنتم باقون في بيوتكم أو بعيدون عن ساحة الحرب ؟!فإنَّ قضية الموت والحياة ليست خاضعة للفرص التي يوفرها الإنسان لنفسه أو يختارها في بعض مجالاته ،بل هي بيد اللّه [ فإذا جاء أجلُهُم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون] ( الأعراف:34 ) ؛[ قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتلُ إلى مضاجعهم] ( آل عمران:154 ) ؛وهكذا أراد اللّه ،من خلال هذا التحدّي للمفاهيم التي طرحوها في الساحة ،أن يكشف كذبهم وزيف واقعهم ،لأنَّهم لا يستطيعون مواجهة هذا التحدّي في قليلٍ أو كثير .
[ إن كنتم صادقين] فهل يُبعدكم البُعد عن ساحة الجهاد عن الموت في ما تستقبلونه من الزمان ؟إنَّ ذلك لن يعفيكم من القضاء المحتوم الذي يجري على سنّة اللّه في الإنسان ،فكلّ إنسان يموت بأجله ،فلا يهرب من الحرب الجهادية ليسلم ؛فقد يلتقي بالموت وهو في راحةٍ ودعةٍ وأمان .