التّفسير:
مزاعم المنافقين الباطلة:
لم يكتف المنافقون بانصرافهم عن الإسهام مع المؤمنين في القتال ،والسعي في إضعاف الروح المعنوية للآخرين ،بل عمدوا إلى لوم المقاتلين المجاهدين بعد عودتهم من المعركة ،وبعد ما لحق بهم ما لحق قائلين ( لو أطاعونا ما قتلوا ) .
فيرد عليهم القرآن الكريم في الآية الحاضرة قائلاً ( الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرؤا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين ) .
يعني أنكم بكلامكم هذا تريدون الإدعاء بأنكم مطلعون على عالم الغيب .وإنكم عارفون بالمستقبل وحوادثه ،فإذا كنتم صادقين في ذلك فادفعوا عن أنفسكم الموت ،لأنكمطبقاً لهذا الإدعاءينبغي أن تعرفوا علة موتكم ،وتقدرون على تجنبها ،وتحاشيها ،وإبطال مفعولها .
افرضوا أنكم لم تقتلوا في ساحات الجهاد والشرف ،فهل يمكنكم أن تضمنوا لأنفسكم سناً طويلاً ،وعمراً خالداً ؟؟هل يمكنكم أن تمنعوا الموت عن أنفسكم أبداً ودائماً ؟؟
فإذا لم يمكنكم تحاشي الموتهذه النهاية المحتّمة لكل نفسفلماذا تموتون في الفراش بذل وهوان ،ولا تختارون الشهادة والموت بشرف وعز في ساحات الجهاد ضد أعداء الله وأعداء الرسالة ؟؟
ثمّ إن الآية الحاضرة تتضمن نقطة أخرى يجب الانتباه إليها وهي:
لقد عبّر القرآن عن المؤمنين في هذه الآية بأنهم إخوان للمنافقين في حين لم يكن المؤمنون إخواناً للمنافقين إطلاقاً ،فما هذه الأنواع من الملامة والتوبيخ للمنافقين ؟فيكون المعنى هو: إنكم أيها المنافقون كنتم تعتبرون المؤمنين إخواناً لكم فكيف تركتم نصرتهم في هذه اللحظات الخطيرة ؟ولهذا أردف سبحانه هذه الكلمة ( لإخوانهم ) بكلمة «الذين قعدوا » أي تقاعسوا عن المشاركة في المعركة .
فهل يصحّ أن يدعي الإنسان اخوته لآخر ثمّ يخذله حين يحتاج إلى نصره وتأييده ويقعد عنه حين يحتاج إلى حمايته ؟ !