التطلعات الروحية لامرأة عمران
إن القصة هنا تختصر الحوادث ،فليست هناك ملامح شخصية لهذه الإنسانة «امرأة عمران » ؛من هي ؟وما هو اسمها ،وما هي صفاتها الذاتية ؟لأن ذلك كله لا يمثل شيئاً في ما تهدف إليه القصّة من الحديث عن الروحيّة التي كان يعيشها آل عمران وعن إخلاصهم العظيم لله ،وعن النمط المميز من التفكير الذي كان يطبع وعيهم ،فقد فقدت هذه المرأة زوجها بعد أن حملت منه ،وربما كان إنساناً صالحاً يعيش في خدمة بيت الله ،وبدأت تفكر في مستقبل هذا الولد ،ولم تفكر تفكيراً ذاتيّاً أنانيّاً كما يفكر الكثيرون في الانتفاع بأولادهم من ناحيةٍ مادّية أو معنويّة في ما يكسبه من مال وفي ما يحصل عليه من جاه ،بل فكرت في أن يكون خادماً لله ،وهذا ما تعنيه كلمة{مُحَرَّراً} بحيث لا يكون خاضعاً لأية سلطةٍ بشرية ،سواءٌ في ذلك سلطة والديه أو سلطة الآخرين .فهو لا يعمل لأحد ولا يدخل في خدمة أحد ،بل يعمل لله ويخدم بيته ،فيكون حُراً أمام الآخرين في ما يملكه من سلطان نفسه تجاههم وعبداً أمام الله باعتباره خادماً أميناً له ،فنذرته لله ،وكان هذا النذر مشروعاً في شريعتهم ،وأرادت من خلاله أن تتقرب إلى الله ،لأنها لا تملك شيئاً تقدّمه إليه غير ذلك .إنه نوع من القربان الحيّ المتحرّك الذي تقدمه الأمّ إلى خالقها ليظل في طاعته وخدمته ...وابتهلت إليه أن يتقبله منها ،فإنه السميع الذي يسمع دعوات عباده المخلصين له ،العليم الذي يعلم إخلاصهم الروحي في عبادته .
/خ37