التّفسير
كيفية ولادة مريم:
تعقيباً على ما جاء في الآية السابقة من إشارة إلى آل عمران ،تشرع هاتان الآيتان بالكلام على مريم بنت عمران وكيفية ولادتها وتربيتها وما جرى لهذه السيّدة العظيمة .
جاء في التواريخ والأخبار الإسلامية وأقوال المفسّرين أنّ «حنة » و «اشياع » كانتا أُختين ،تزوّجت الأُولى «عمران »{[561]}أحد زعماء بني إسرائيل ،وتزوّجت الأخرى «زكريّا » النبيّ .
مضت سنوات على زواج «حنة » بغير أن ترزق مولوداً .وفي أحد الأيّام بينما هي جالسة تحت شجرة ،رأت طائراً يطعم فراخه .فأشعل هذا المشهد نار حبّ الأُمومة في قلبها ،فتوجّهت إلى الله بمجامع قلبها طالبةً منه أن يرزقها مولوداً ،فاستجاب الله دعاءها الخالص ،ولم تمض مدّة طويلة حتّى حملت .
ورد في الأحاديث أنّ الله قد أوحى إلى «عمران » أنّه سيهبه ولداً مباركاً يشفي المرضى الميؤوس من شفائهم ،ويحيي الموتى بإذن الله ،وسوف يرسله نبيّاً إلى بني إسرائيل .فأخبر عمران زوجته «حنة » بذلك .لذلك عندما حملت ظنّت أنّ ما تحمله في بطنها هو الابن الموعود ،دون أن تعلم أنّ ما في بطنها أُم الابن الموعود «مريم » فنذرت ما في بطنها للخدمة في بيت الله «بيت المقدس » .ولكنّها إذ رأتها أُنثى ارتبكت ولم تدر ما تعمل ،إذ أنّ الخدمة في بيت الله كانت مقصورة على الذكور ،ولم يسبق أن خدمت فيه أُنثى .
والآن نباشر بالتفسير من خلاله نتعرّف على تتمّة الأحداث:
( إذ قالت امرأة عمران ...) .
هذه إشارة إلى النذر الذي نذرته امرأة عمران وهي حامل بأنّها تهب ابنها خادماً في بيت المقدس ،لأنّها كانت تظنّه ذكراً بموجب البشارة التي أتاها بها زوجها ،ولذلك قالت «محرّراً » ولم تقل «محرّرة » ودعت الله أن يتقبل نذرها: ( فتقبّل منّي إنك أنت السميع العليم ) .
«المحرر » من التحرير ،وكانت تطلق في ذلك الزمان على الأبناء المعيّنين للخدمة في المعبد ليتولّوا تنظيفه وخدماته ،وليؤدّوا عباداتهم فيه وقت فراغهم .ولذلك سمّي الواحد منهم «المحرّر » ،إذ هو محرّر من خدمة الأبوين ،وكان ذلك مدعاة لافتخارهم .
قيل إنّ الصبيان القادرين على هذه الخدمة كانوا يقومون بها بإشراف الأبوين إلى سنّ البلوغ ،ومن ثمّ كان الأمر يوكل إليهم ،إن شاؤوا بقوا ،وإن شاؤوا تركوا الخدمة .
ويرى البعض أن إقدام امرأة عمران على النذر دليل على أن عمران توفي أيّام حمل زوجته ،وإلاَّ كان من البعيد أن تستقل الأم بهذا النذر .