وبقيت هذه المرأة الصالحة في أجواء هذه الروحيّة طيلة أيام الحمل ...وجاء اليوم الموعود الذي انتظرته ليتحقق حلمها ،وكانت المفاجأة غير المنتظرة ،فالمولود أنثى ،والأنثى لا تصلح للخدمة في بيت المقدس ،لأنها من شؤون الذكور ،فهتفت هتاف اليائس المعتذر الخائب ،لتعلن أن الحلم لم يتحقق ،ولم تكن بحاجة إلى هذا الإعلان ،فإن الله أعلم بما وضعت ،لأنه هو الذي خلقه وصوّره ،وليس الذكر كالأنثى ،فلو كان المولود ذكراً لكان شأنه أن ينتهي إلى خادمٍ بسيطٍ في بيت المقدس ،ولكن هذه الأنثى التي وضعتها ستكون مؤهلة لكرامة الله ،حيث تظهرمن خلالهاقدرته في ولادة عيسى منها من دون أب .
وبدأت المرأة تفكر من جديدفي ما توحي به الآيةفهي لا تريد أن تبتعد عن الله في أحلامها الروحيّة ،فإذا لم يقدّر لها أن تلد ذكراً خادماً لبيت المقدس ،وولدتبدلاً منهأنثى ،فإنها تعود لتناجي الله في أمنياتها الجديدة ،فقد أسمتها «مريم »التي تعني العابدة في لغتهم ،كما يقاللتكون إنسانةً عابدةً لله مطيعةً له في ما يأمر به وينهى عنه ،ثم طلبت من الله أن يعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم ،فيجيرهم من وسوسته وتثبيطه ومكره وخدعه ومكائده ،ليستطيعوا السير في خط الطاعة من دون أيِّ انحراف أو زلل .
إننا نكتشف في هذه المرأة إنسانةً تعيش العلاقة بالله كأروع ما تكون العلاقات وكأصفى ما تكون المشاعر ،وكأعظم ما تتحرك الأفكار ،فهي تفكر في مستقبل ذريتها من خلال الله ،لتقرّبهم إليه وتبعدهم عن الشيطان .
/خ37