واستجاب الله دعاءها الصادق{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ} يمثل كل معاني الرعاية لها في الحاضر والمستقبل ،{وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} فهيّأ لها البيئة الصالحة التي تكفل لها النموّ الطبيعي ،تماماً كما تنبت البذرة الطيّبة في الأرض الطيّبة الخصبة ،فتحاول أن تعزل عنها كل الجراثيم التي تؤخر نموّها أو تعطّله .{وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} هذا العبد الصالح الذي وقف مع بقية المؤمنين وألقوا أقلامهم أيّهم يكفل مريم ،لأن أباها كان ميّتاً ،وخرجت القرعة باسم زكريا ،الذي كان شيخاً جليلاً صالحاً مؤمناً ،فهيّأ لها الجو التربوي الصالح الذي جعلها تؤمن بالله وتحبه وتعبده حتى بلغت المستوى العظيم الذي جعلها في المركز الذي يوحي بالمعجزة ،فكانت تتعبد الله في المحراب ويأتي وقت الطعام ،ويغلبها إحساسها بالجوع ،وتأبى أن تفارق محرابها لتأكل ،لأنها لا تريد أن تفارق مناجاتها الحبيبة لله ،فيرسل الله إليها برزقه المتمثل بالطعام الذي تفوح منه الرائحة الطيبة كما تقول بعض الأحاديث ،وقد يدخل عليها زكريا في بعض هذه الحالات فيفاجأ بذلك ويتساءل في ما حدثنا الله عنه{كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يمَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا} من أين لك هذا ؟من الذي صنعه لك ،مع أننا لم نقدم لك شيئاً من هذا القبيل ؟وكانت لا ترى في هذا شيئاً عجيباً ؟فهي تؤمن أن الرزق من الله ،سواء جاء من خلال الأسباب العادية المألوفة أو من خلال الأسباب غير العادية ،فلماذا التعجب والاستغراب{إنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} .وهكذا تكاملت أمامنا الصورة المشرقة لهذه الأنثى التي لم تعش الحياة في جانبها الأنثوي الذي يتهالك أمام الملذات والشهوات ،بل عاشت الحياة في جانبها الإنساني الإيماني الذي يوحي لها بالإخلاص لله في نفسها وفي علاقتها بالآخرين في ما يوحيه معنى عبادة الله ،وبذلك حققت أمنيات تلك الأم الطاهرة التي أرادت من الله أن يجعل منها ابنة عابدة بعيدة عن رجس الشيطان .
/خ37