وكانت هذه الكرامة العجائبية التي حدثت لمريم في بيت زكريا دليلاً واضحاً على أن الله يرعاها بعنايته وبرحمته ،فهذه أجواء الرحمة تطوف في البيت ،والفرصة سانحة أمام الحاجة الملحّة التي كان يعانيها زكريا ،ويريد أن يدعو الله فيها ،ولكنهفي ما يبدولا يجد الأمل الكبير باستجابة الدعاء ،وهي الذريّة الطيّبة .{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ} وهو يشعر أن الإجابة قريبةٌ منه لتحقق له حلمه الكبير الذي يكفل له الامتداد الذاتي والرسالي في خط الحياة الطويل ،فإن الولد يمثل امتداد الظل لأبيه .وكان يفكركما فكرت امرأة عمرانبالذرية الطيبة التي تملأ الحياة خيراً وبركةً وهدى ونوراً ومحبة وسلاماً ،ولم يفكر كما يفكر كثير من الناس بالذريّة التي تمثل حاجةً ذاتيةً تملأ فراغ الإنسان العاطفي وتحقق له زهو الامتداد والكثرة من دون هدف كبير على مستوى الحياة .{قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَآءِ} ...واستجاب الله له دعاءه كأفضل ما تكون الاستجابة ،وأراد أن يبشِّرّه بذلك في جوٍّ من الإعزاز والتكريم ،فأرسل إليه الملائكة لتزف إليه البشارة بالوليد المنتظر الذي أراد الله له أن يكون في المستوى العظيم في الطهارة والنقاوة الرساليّة والروحيّة المتحركة في خط النبوة ...