{فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّى فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} إنّ البشارة تتحدث عن الحلم المنتظر كما تتحدث عن الواقع الحيّ .إنها تعيّن له اسمه وصفته المميزة ،التي جعلها الله «سِمةً » للأنبياء ،فقد جاء مصدّقاً لما أنزل الله من رسالات ،ولما أرسل من رُسل ،وتلك صفةٌ لا يوصف بها إلاّ الذين يريد الله لهم أن يكملوا الطريق التي بدأها الآخرون من قبله ،من الأنبياء الذين شقّوا للناس طريق الحق المستقيم ...
وسيّداً لنفسه كما هو شأن عباد الله الذين يحكمون أنفسهم من خلال إيمانهم ،ويسيطرون على شهواتهم من خلال عقولهم ،ويسودون الناس في نطاق مبادئهم الحقّة ،ولا يخضعون لأية سلطة غير سلطة الله في ما يريد وفي ما لا يريد ،فهم أحرار أمام أنفسهم وأمام الآخرين ،يملكون كلمة الرفض من موقع القناعة ،ويملكون كلمة القبول من موقع الاختيار ،وعبيد أمام الله الواحد لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون .
{وَحَصُوراً} حصر شهواته ،فلا يدعها تتحرك في نطاق الإشباع والارتواء .وكان ذلك من القيم الكبيرة في ذلك الوقت ،لما يدلّ عليه من الطاقة الروحية العظيمة التي تدفع الإرادة إلى الصلابة والتضحية{وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} الذين أراد الله لهم أن يتقبلوا وحيه بأرواحهم ويحملوها للناس رسالة وهدىً وإيماناً .
وقد أكد الله له في هذه البشارة ،أن ذلك قد كان بكلمةٍ منه ،والكلمة تعني القدرة التي لا تحتاج في تعلّقها بالأشياء إلى أسباب مألوفة مما تعارف عند الناس من أسباب .