وقوله تعالى: ( فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) تقبل الله من أم مريم نذيرتها ( مريم ) خادمة لبيت الله بقبول حسن ،أي بوجه حسن يقبل به النذائر وهو إقامتها مقام الذكر .وقد لفتها أمها في خرقة عقيب ولادتها وحملتها إلى المسجد وقالت: دونكم هذه النذيرة فتنافسوا فيها فأبوا إلا القرعة فكانت من حظ زكريا وهو زوج خالتها فتكفلها .
قوله: ( وأنبتها نباتا حسنا ) مجاز عن تربيتها بما يصلحها في جميع أحوالها وقرنها بالصالحين من عباده تتعلم منهم العلم والخير والدين .
قوله: ( وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا ) أي جعل زكريا كافلا وذلك بعد الاستهام فطفا سهمه ورسبت سهام الآخرين .والمحراب هو مقدم كل مجلس ومصلى ،وهو سيد المجالس وأشرفها وأكرمها ،وكذلك هو من المساجد ،والمحراب مفرد وجمعه محاريب ومحارب .
قوله: ( وجد عندها رزقا ) أي غذاء ميسرا هنيئا لتأكل منه مريم من غير نصب ولا جهد .وقد ذكر أن زكريا كان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء .لا جرم أن ذلك دلالة على كرامات الأولياء المقربين وفي السنة لهذا نظائر كثيرة{[457]} .
قوله: ( قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله ) سألها زكريا متعجبا: من أين لك هذا الرزق ،فأجابته مريم أنه من عند الله .أي أن الله هو الذي رزقها ذلك فساقه إليها ؛لأن الله ( يرزق من يشاء بغير حساب ) ويحتمل أن يكون هذا من جملة كلام مريم .أو أن يكون من كلام الله سبحانه وتعالى .
وقوله: ( بغير حساب ) أي بغير تقدير لكثرته أو تفضلا بغير محاسبة ومجازاة على عمل{[458]} .