[ إذا قالت الملائكة يا مريم إنَّ اللّه يُبشرك بكلمة منه اسمه المسيحُ عيسى ابن مريم] .
...وتأتي البشارةالمفاجأة من اللّه على لسان الملائكة بالإنسانالكلمة ،ولكنَّها ليست كلمةً من نوع الحروف التي تتألف منها الكلمات ،بل هو الوجود المتفجّر بالحياة ،النّابض بالحركة ،الذي يمثِّل إرادة اللّه في التكوين المعبّر عنها لإيضاح الفكرة بالأمر الإلهي في كلمة «كن » ،وبذلك تتحوّل الكلمةالإرادة إلى إنسان اسمه المسيح عيسى بن مريم ( ع ) .وإذا كانت الوجودات كلّها خاضعة لإرادة التكوين ،فإنَّ خصوصية الوجود هنا أنَّها لا تخضع للأسباب الطبيعية في ولادة الأشياء ،بل هي مرتبطة بالإرادة بشكلٍ مباشرٍ أو غير مألوف ؛الأمر الذي يجعل نسبته إلى الكلمة أقرب من نسبة سائر الأشياء إليه .أمّا كلمة المسيح فالأقرب أنَّها معرّبة ،وتعني المبارك أو الملك أو ما يقرب من ذلك ،وذلك ما ينقله المفسِّرون ،وربَّما يوحي بذلك ما ورد في آية أخرى ،في ما حكاه اللّه عن قول عيسى: [ وجعلني مباركاً أين ما كُنتُ] ( مريم:31 ) وقد نُسب إلى أمّه للإيحاء بأنَّه بلا أب .
ويثير المفسِّرونفي هذا المجالمشكلة الحديث عن الملائكة بصيغة الجمع مع أنَّ سورة مريم تتحدّث عن ملك واحد ،وذلك في قوله تعالى: [ فأرسلنا إليها روحنا فتمثَّل لها بشراً سوياً] ( مريم:17 ) ،ولكن هذه الآية لا توحي أنَّه كان وحده ،فربَّما كان هو الشخص الرئيس والآخرون معه كأتباع وربَّما كانت هناك وجوه أخرى تبرّر ذلك مما لا نطيل الحديث فيه .
ويفيض الملائكة الحديث عن صفاته ،للإيحاء بأهميّة هذا المولود وما يحقّقه للحياة من خير وبركة ،وما يمنحه لأمّه من شرف ورفعة: [ وجيهاً في الدُّنيا] فستكون له الوجاهة في الدُّنيا من خلال موقعه الرسالي في ما يثيره من قضايا ومواقف ،ومن خلال إيمان النّاس بنبوّته ورسالته ،وتبجيلهم وتقديسهم له ،[ والآخرة] وسيحصل على الوجاهة في الآخرة في ما يرفعه اللّه من درجات جزاءً لجهاده وتضحياته وآلامه القاسية التي تحمّلها في سبيل اللّه [ ومن المقرَّبين] وسيكون من المقرَّبين إلى اللّه ،انطلاقاً من قربه الروحي والفكري والعملي إلى اللّه في خشوع العبادة وخضوع العمل .