في هاتين الآيتين دعوة إلى الحديث مع أهل الكتاب بأسلوب يحمل طابع العتاب الهادئ الذي يتحوّل في نهاية الآية إلى تهديد خفيّ حازم ،فهو يواجههم في الآية الأولى بالآيات البارزة التي أقامها اللّهمن خلال وحيهعلى كثيرٍ من أحكامه وشرائعه في ما تحدّثت به الآيات السابقة وغيرها ،ويتساءل في لهجة اللوم المشوب بالإنكار عن الأساس في جحودهم لها ،ثُمَّ يتركهم أمام السؤال ليواجهوا أنفسهم بالجواب الذي لا بُدَّ من أن يكتشفوا من خلاله ضلالهم وتمرّدهم وعنادهم ،لأنَّهم لا يجدون أساساً لذلك من خلال ما لديهم من فكر أو برهان ،بل يجدون بدلاً من ذلك مزيداً من الشعور بالحقارة الشديدة في داخل نفوسهم .ويختم الآية بأنَّهم إذا استطاعوا أن يخفوا أعمالهم الباطنة عن النَّاس ،فإنَّهم لا يستطيعون إخفاءها عن اللّه ،فإنَّه الشهيد على كلّ ما يعلمون في سرّهم وعلانيتهم ،وبذلك يضعهم وجهاً لوجهٍ أمام مواقع المسؤولية في يوم القيامة .
[ قل يا أهل الكتاب] من اليهود الذي كانوا في المدينة في مواقفهم المنحرفة المعقّدة المتحرّكة في الخطّ العدواني ضدّ النبيّ ( ص ) والمسلمين معه في مواجهة الإسلام [ لِمَ تكفرون بآيات اللّه] التي أنزلها على محمَّد ( ص ) مما قرأتموه في التوراة أو شاهدتموه من علامات النبوّة فيه ،فلم تكن لكم أيّة حجّة في الكفر والإنكار [ واللّهُ شهيدٌ على ما تعملونَ] مما تكيدون فيه وتضمرونه من الحقد والعداوة والبغضاء ،فهو المطلع على سرّكم وعلانيتكم ،وسيجازيكم على ذلك بما تستحقونه من العذاب .