كيفية تصرف الناس أمام الشدة والرخاء
تتكرر في القرآن الآيات التي تثير الظاهرة القلقة المتكررة في حياة الناس في الابتهال إلى الله في حالة البلاء ،والإِعلان الإيماني بأنهم يخلصون له في العبادة والطاعة إذا رفع عنهم البلاء ،فإذا جاءت العافية ،برحمةٍ من الله ،نسوا كل ما قالوه ،وعادوا إلى ما كانوا عليه .
وتستهدف هذه الإِثارة التنبيه على ضرورة امتداد علاقة الإنسان بربه إلى جميع حالاته ،ليكون الله هو الأمل في حالة الشدّة ،والرحيم في وقت الرخاء ،وليشعر الإنسان بحاجته إليه في كل شيء ،لأن كل ما لديه من النعم التي تحكم حياته هي من الله ،فلا يستغني عنه في أيّ وقت .
الإنابة عند الضر والشرك عند الرحمة
{وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ} في ما يمثله الدعاء الحارّ النابض بالألم ،الممزوج باللهفة ،المتحرك بالأمل ،من عودة محكومة بظروفها الحادّة الخانقة التي ترى في الدعاء المتنفس الذي يخرجها من الاختناق ،والساحة الواسعة التي تبتعد بها عن أجواء الحصار ،فإذا جاء الفرج ،وتباعدت الشدّة ،وهطلت الرحمة ،وتنفست الحياة ،وعاشت في حرية العافية ،كان لهؤلاء الناس وضع آخر يختلف عن روحية العودة إلى الله .
{ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمَةً} فأحسّوا ببرد العافية في حياتهم ،وبطمأنينة الأمن في ساحتهم ،رجعوا إلى أصنامهم البشرية ،واستسلموا لعلاقاتهم الصنمية ،ليلجأوا إليها ،ويتعبّدوا لها ،ويستغرقوا في أوضاعها الكافرة والمنحرفة ،وليبتعدوا عن الله من جديد ،{إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} فهم ليسوا كل الناس ،لأن هناك من يعيش عمق الإيمان بالله وشمول الإحساس بحاجته إليه ،فيبقى مع الله في إخلاص التوحيد ،وتوحيد العبادة له .ولكن الفريق الآخر الذي يعيش الإيمان في دائرة اللحظة ،لا في امتداد الحياة ،هو الذي ينحرف ويبتعد عن خط الإيمان ويستسلم لأهواء الشيطان ،