{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِّنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لاََياتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} في ما أنعم على عباده من تيسير التنقل عبر البحار والأنهار إلى مقاصدهم التي لا يملكون سبيلاً إليها من ناحيةٍ ثانيةٍ ،أو لا يجدون في غيرها ما يحقق لهم مصالحهم كنقل البضائع ،وتنويع المواقع ،وحماية الطريق ،وترويح النفس وما إلى ذلك .وقد هيّأ الله لهم سبيل ذلك بالسفن التي تمخر الماء بمختلف الوسائل والأشكال من خلال العناصر المباشرة ،في ما خلقه الله من ماء وريح وسماء ،أو غير المباشرة ،في ما تتألَّف منه أجزاؤها وما ألهمه الله لعباده وهداهم إليه من طريقة صنعها واستخدامها ،ونحو ذلك ،{لِيُرِيَكُمْ مِّنْ آياتِهِ} الخفية والظاهرة في آفاق البحر وفي سطحه وأعماقه ،مما لا تستطيعون معرفته بدون ذلك .
{إِنَّ في ذَلِكَ لاََيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} لأن الرؤية القلبية للآيات في معناها ودلالتها تحتاج إلى المزيد من التأمّل والتفكير وملاحقة الظواهر في أسرارها ودقائقها وخفاياها مما لا يمكن أن يتحقق إلا للإنسان الذي يملك الصبر على البحث والمعاناة الفكرية للوصول إلى النتائج العقيدية ،ولو بعد وقت طويل .ولعل مشكلة الكثيرين من الذين ينكرون حقائق العقيدة ،أو حقائق القضايا المتصلة بشؤون الناس والحياة في أمورهم السياسية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية ،أنهم يستعجلون الحكم على الأشياء من خلال المعطيات المتوافرة على السطح ،لأنهم لا يملكون الصبر على انتظار النتائج المنطلقة من العمق الذي يحتاج إلى جهد ووقت ليظهر ما في داخله .
أمّا مدخلية الشكر في الموضع ،فتتصل بأن الإنسان الذي يعيش روح الشكر لله ،يعمل على اكتشاف كل نعمه وكل آياته ،ليبادر إلى الانفعال بها والإقبال عليها وتقديم الشكر إلى الله بكل إخلاص وإيمان .
وقد يجعل الله الفلك وسيلةً لاختبار الإنسان في مستوى إيمانه ،لأن حالة الاسترخاء والعافية قد تمنعه من اكتشاف العمق الداخلي للعلاقة بالله ،فقد تثور الأمواج في البحر وتتعاظم حتى تهز السفينة بأهلها ،وتأخذهم ذات اليمين وذات الشمال ،فيسقط من يسقط على وجهه ،ويهتز من يهتز بكل جسده ،ويثور الموج من كل مكان ،وينطلق الخوف من كل جهة