التّفسير
في دوّامة البلاء !
يدور البحث والحديث في هاتين الآيتين أيضاً عن نعم الله سبحانه ،وأدلّة التوحيد في الآفاق والأنفس ،فالحديث في الآية الاُولى عن دليل النظام ،وفي الآية الثّانية عن التوحيد الفطري ،وهما في المجموع تكمّلان البحوث التي وردت في الآيات السابقة .
تقول الآية الاُولى: ( ألم تر أنّ الفلك تجري في البحر بنعمة الله{[3275]} ليريكم من آياته إنّ في ذلك لآيات لكلّ صبّار شكور ) .
لا شكّ أنّ حركة السفن على سطح المحيطات تتمّ بمجموعة من قوانين الخلقة:
فحركة الرياح المنتظمة من جهة .
والوزن الخاص للخشب أو المواد التي تصنع منها تلك السفينة من جانب آخر .
ومستوى كثافة الماء من جانب ثالث .
ومقدار ضغط الماء على الأجسام التي تسبح فيه من جهة رابعة .
وحينما يحدث اختلال في واحد من هذه الاُمور فإنّ السفينة إمّا أن تغرق وتنزل إلى قعر البحر ،أو تنقلب ،أو تبقى حائرة لا تهتدي إلى سبيل نجاتها في وسط البحر .
غير أنّ الله جلّ وعلا الذي أراد أن يجعل البحار الواسعة أفضل السبل وأهمّها لسفر البشر ،ونقل المواد التي يحتاجونها من نقطة إلى أخرى ،قد هيّأ ويسّر هذه الشروط والظروف ،وكلّ منها نعمة من نعمه تعالى .
إنّ عظمة قدرة الله سبحانه في ميدان المحيطات ،وصغر الإنسان مقابلها ،تبلغ حدّاً بحيث إنّ كلّ البشر في العالم القديمالذي كانت السفن تعتمد على الرياح في حركتهالو اجتمعوا ليحرّكوا سفينة وسط البحر عكس اتجاه ريح عاصف قويّة لما استطاعوا .
واليوم أيضاً ،حيث حلّت المولِّدات والمكائن العظيمة محلّ الهواء ،فإنّ هبوب العواصف قد يبلغ من الشدّة أحياناً بحيث يحرّك ويهزّ أعظم السفن ،وقد يحطّمها أحياناً .
والتأكيد الذي ورد في نهاية الآية على أوصاف ( صبّار ) و ( شكور ) إمّا أن يكون من باب أنّ الحياة الدنيا مجموعة من البلاء والنعمة ،وكلاهما طريق ومحلّ للاختبار ،حيث إنّ الصمود والتحمّل أمام الحوادث الصعبة ،والشكر على النعم يشكّلان مجمل ما يجب على الإنسان ،ولذا نقل كثير من المفسّرين عن الرّسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ): «الإيمان نصفان: نصف صبر ،ونصف شكر »{[3276]} .
أو أن يكون إشارة إلى لزوم وجود هدف لأجل إدراك آيات الله العظيمة في ميدان الخلقة ،وهذا الهدف هو شكر المنعم المقترن بالصبر والتحمّل من أجل دقّة وتفحّص أكبر .
وبعد بيان نعمة حركة السفن في البحار ،والتي كانت ولا تزال أكبر وأنفع وسائل حمل ونقل البضائع والبشر .