{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأزواجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ} والجلباب ،ثوب تشتمل به المرأة فيغطي جميع بدنها ،أو الخمار الذي تغطي به رأسها ووجهها ،والمطلوب هو إسدال الجلباب على البدن وتقريبه منه كناية عن الستر{ذلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} وقد فسره البعض ،بأن ذلك أقرب إلى أن يعرفن بالعفة والصلاح والستر والحجاب ،فيحترمهن أهل الفسق ،فلا يتعرضون لهن كما يتعرضون لغيرهنّ من النساء غير العفيفات .وربّما كان المعنى أن يعرفن أنهن مسلمات حرائر ،ولسن من الإِماء ،أو من الكتابيات اللاتي لا يتقيدن بما تتقيد به المسلمات من السلوك المتزن القائم على العفّة والإيمان .وقد يكون المعنى ،أن يكون ذلك زَيَّاً معيَّناً يتميزن به عن غيرهن ،للتمييز بينهن وبين غير المسلمات .
الغاية من هذا التشريع
وقد يخطر بالبال ،أنّ حكمة هذا التشريع لم تنطلق من عمق المصلحة الكامنة في علاقة هذا الزي بالأخلاق ،بل انطلقت من مراعاة حالةٍ طارئةٍ في مجتمع المدينة الذي كان يخضع لسلوك بعض الشباب العابث الذي لا يحترم النساء ،فيراودهن عن أنفسهن بتخيّل أنهن من العابثات ،باعتبار أن الزيّ واحدٌ لا تختلف فيه إحداهنّ عن الأخرى ،فكان من اللازم أن يُفرض للمؤمنات من نساء النبي وبناته ونساء المؤمنين زيٌّ إسلامي يتميزن به عن الأخريات من الكتابيات والإماء ،ليبتعدن بذلك عن الأذى ،لما يعرفه هؤلاء الشباب من صلابة الإسلام في مواجهة هذا العبث ،بقدر ما يتصل بالمؤمنات ،فيمنعهم ذلك عن السلوك السلبي تجاههن ،فيكون هذا الأمر ،كما هو الأمر المرويّ في كلام الإمام علي( ع ) عندما سأله بعض الناس عن قول الرسول( ص ): غيّروا الشيب ولا تشبّهوا باليهود ،فقال( ع ): إنما قال( ص ): كان ذلك والإسلام قُلّ ،فأمَّا الان ...فامرؤٌ وما اختار[ 1] ،ما يوحي بأنه تشريعٌ ظرفيٌّ يراد به تميّز المسلمين عن اليهود في المجتمع المختلط لبعض المصالح التي تتصل بالملامح الشخصية للمسلمين .
وعلى ضوء ذلك ،فلا تكون الآية من آيات الحجاب الملزم ،بلحاظ أن الأمر يدلّ على الوجوب ،فإن الفقرة الثانية قد تصلح دليلاً على عدم إرادة الإلزام في ذلك ،{وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} يغفر للمذنبين ،ويرحم المؤمنين .
وقد جاء في تفسير القمي في قوله تعالى:{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لاَِزْواجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ} فإنه كان سبب نزولها أن النساء كنّ يخرجن إلى المسجد ويصلين خلف رسول الله( ص ) ،فإذا كان الليل وخرجن إلى صلاة المغرب والعشاء الآخرة يقعد الشباب لهن في طريقهن فيؤذونهن ويتعرضون لهن »[ 2] .
وفي الدر المنثور ،«بإسناده عن أم سلمة قالت: لما نزلت هذه الآية{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ} خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من أكسية سودٍ يلبسنها »