{لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَض} من أولئك الذين يعيشون العقدة النفسية ضد الإسلام والمسلمين ،والازدواجية بين ما يظهرون من الإيمان وما يبطنون من الكفر{وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ} الذين يعملون على بثّ الإشاعات وإثارة الأقاويل التي تضعف العزيمة ،وتشيع الفساد ،وتثير الفتن ،وتنشر الأضاليل والأباطيل ،لتحويل المجتمع إلى ساحةٍ مهزوزة لا يتماسك فيها الموقف ،ولا يثبت فيها الموقع ،مما هو موجودٌ في كل مكان وزمان ،حتى تحوّل في عصرنا إلى فنٍّ قائمٍ بذاته ،في ما تعارف عليه الناس من «الحرب النفسية » التي يشنها المرجفون من العاملين في أجهزة المخابرات والإذاعة والصحافة والوسائل بأسلحتهم الإعلامية قبل أن تدخل في ساحة الصراع في الحرب الحارة .
وهكذا أراد الله أن يحذر هؤلاء الذين كانوا منتشرين في المدينة ليخلقوا المشاكل للنبيّ في خط الدعوة وخط الجهاد وإدارة المجتمع ،ويهدّدهم للمرّة الأخيرة ،لئن لم يمتنعوا عما هم فيه من الإرجاف والإفساد{لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} أي لنحرضنك عليهم وندفعك إلى ضربهم والقضاء على مواقع قوّتهم ،وإلى إخراجهم من المدينة{ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاَّ قَلِيلاً} وهي المدّة التي تفصل بين إصدار الأمر وتنفيذه .
وقد نستطيع استيحاء الحكم الشرعي من هذه الآية في ضرب الأجهزة التي تثير الأقاويل والإشاعات الكاذبة ،وتعمل على إضعاف المجتمع عن طريق الإعلام المنحرف الذي يخطط لتنفيذ مؤامرات الأعداء ضد الإسلام والمسلمين ،وفي نفيهم خارج البلاد .