قوله:{لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ} ذلك تهديد ووعيد لفريق من شِرار الناس الذين يشيعون الفتنة والفوضى ويعيثون في الأرض الفساد وهم المنافقون الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر ويخفون في أنفسهم الكراهية للإسلام ويتربصون بالمسلمين الدوائر .ثم الذين في قلوبهم مرض .فقد قيل: إنهم أنفسهم المنافقون .ومرضُ القلوب خسيسة ذميمة من النفاق تستقر في أطواء الخاسرين الذين يستسرون الكفر ويظهرون للناس الإيمان وحسن الحديث .
وقيل: هم أهل الفواحش والزنا ،والذين في قلوبهم حب الفجور .ثم المرجفون .من الإرجاف وهو التماسُ الفتنة أو إشاعة الكذب والباطل ليغتم به الناس ويستيئسوا .والمراد بالمرجفين ،قوم كانوا يخبرون المؤمنين بما يغمهم ويسوؤهم من عدوهم فيقولون إذا خرجت سرايا المسلمين للجهاد: إنهم قد قتلوا جميعا .أو يقولون للمسلمين: قد أتاكم العدو .وغير ذلك من الأخبار الكاذبة .وذلك هو الإرجاف فهو حرام لما فيه من إيذاء للمسلمين وإثارة للفتنة والاضطراب والفزع بينهم .وبذلك فإن المرجفين فريق مريب مفسد من أهل النفاق والخور ،يرمون إضعاف المسلمين وتداعي صفهم وانهيار مجتمعهم بإثارة البلبلة والهلع والارتباك بينهم .فقد ندد الله بهذا الصنف من الناس وتوعدهم بالعقوبة في الدنيا والآخرة .وهو قوله:{لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} أي لنسلطنّك عليهم ولنحرشنّك بهم فتقتلهم{ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً}{قليلا} ،صفة لمصدر محذوف ؛أي لا يسكنون معك في المدينة إلا مدة يسيرة حتى تخرجهم منها:{مّلعونين}