{وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} فلا يحمل شخصٌ أثقال ذنوب شخص آخر ،ولا يحاسب البريء بذنب المجرم تحت تأثير أيّة علاقةٍ من قرابةٍ أو صداقةٍ أو غيرهما ،ما لم يكن له دخلٌ في جريمته ،وهذا هو الذي يعامل الله به عباده يوم القيامة ،على أساس الفردية في المسؤولية في التبعة والجزاء ،ما يفرض على الناس أن يحسبوا حساب ذلك في أعمالهم ،وأن يطمئنوا لموقفهم غداً أمام ربهم ،لأن الله لن يعاقبهم على ما قام به الآخرون من جرائم ،{وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} فلا ينفع أحدٌ أحداً في ما تعنيه العلاقات الإنسانية ،لأن كل شخصٍ مشغولٌ بنفسه ،مهتمٌّ بما يحمله من أثقال ذنوبه ،فلا مجال لديه للاهتمام بثقل غيره ،ولهذا فلا بد لكل إنسانٍ من مواجهة مسؤوليته بالمستوى الذي يشعر فيه بأنه لا علاقة له بأحدٍ ،فلا يحمل مسؤولية أحدٍ ،ولا يحمل أحدٌ مسؤوليته .
{إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} من موقع الإيمان المنفتح على الغيب ،وذلك عبر الانفتاح على النوافذ التي يطل منها على حقيقته ،في ما يؤدِّي إليه العقل وتقود إليه الفطرة ،ويتفاعل معه الوجدان في استبصار ما تدركه وسائل الحس من آثار تنفتح على آفاق الغيب الذي يلتقي بالله والوحي واليوم الآخر ،{وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ} التي تعبّر روحياً وحركيّاً عن فعالية هذا الإيمان في خضوعه لله ،وخشوعه أمام ذكره ،فهؤلاء هم الذين يفتحون قلوبهم للآيات التي تثير الشعور بالخوف الإيمانيّ من عقاب الله ،فيدعوها ذلك إلى الانضباط في دائرة أوامره ونواهيه ،وهؤلاء هم الجادّون في مسألة المصير ،وقضية المسؤولية ،ولذا فإنهم يلاحقون كل ما يدلهم على مواقع النجاة ،ويجنبهم مواطن الهلاك .
{وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} لأن النتائج الإيجابية في رضوان الله ورحمته ونعيمه في الدار الآخرة لن يعود نفعها إلى النفس الزاكية التي تنعم بذلك العطاء الإلهي في نعيم الروح والجسد فحسب ،ولا تقتصر النعمة على الدار الآخرة في ما يعود إلى الإنسان المؤمن من منافع ،بل يجد في الدنيا الكثير مما يصلح أمره ويبعده عن الفساد ،من خلال التشريع الذي لا يأمره إلا بمصلحة ،ولا ينهاه إلا عن مفسدة .{وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} حيث يجتمع الناس لديه فيجازي المحسن بإحسانه ،والمسيء بإساءته ،ويعفو عمن يستحق العفو ،ويرضى عمن يشاء الرضى عنه .