وقوله:( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) أي:يوم القيامة ، ( وإن تدع مثقلة إلى حملها ) أي:وإن تدع نفس مثقلة بأوزارها إلى أن تساعد على حمل ما عليها من الأوزار أو بعضه ، ( لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى ) ، أي:ولو كان قريبا إليها ، حتى ولو كان أباها أو ابنها ، كل مشغول بنفسه وحاله ، [ كما قال تعالى:( يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه )] [ عبس:34 - 37] .
قال عكرمة في قوله:( وإن تدع مثقلة إلى حملها ) الآية ، قال:هو الجار يتعلق بجاره يوم القيامة ، فيقول:يا رب ، سل هذا:لم كان يغلق بابه دوني . وإن الكافر ليتعلق بالمؤمن يوم القيامة ، فيقول له:يا مؤمن ، إن لي عندك يدا ، قد عرفت كيف كنت لك في الدنيا ؟ وقد احتجت إليك اليوم ، فلا يزال المؤمن يشفع له عند ربه حتى يرده إلى [ منزل دون] منزله ، وهو في النار . وإن الوالد ليتعلق بولده يوم القيامة ، فيقول:يا بني ، أي والد كنت لك ؟ فيثني خيرا ، فيقول له:يا بني إني قد احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك أنجو بها مما ترى . فيقول له ولده:يا أبت ، ما أيسر ما طلبت ، ولكني أتخوف مثل ما تتخوف ، فلا أستطيع أن أعطيك شيئا ، ثم يتعلق بزوجته فيقول:يا فلانة - أو:يا هذه - أي زوج كنت لك ؟ فتثني خيرا ، فيقول لها:إني أطلب إليك حسنة واحدة تهبينها لي ، لعلي أنجو بها مما ترين . قال:فتقول:ما أيسر ما طلبت . ولكني لا أطيق أن أعطيك شيئا ، إني أتخوف مثل الذي تتخوف ، يقول الله:( وإن تدع مثقلة إلى حملها ) الآية ، ويقول الله:( لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ) [ لقمان:33] ، ويقول تعالى:( يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) رواه ابن أبي حاتم رحمه الله ، عن أبي عبد الله الطهراني ، عن حفص بن عمر ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، به .
ثم قال:( إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ) أي:إنما يتعظ بما جئت به أولو البصائر والنهى ، الخائفون من ربهم ، الفاعلون ما أمرهم به ، ( ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ) أي:ومن عمل صالحا فإنما يعود نفعه على نفسه ، ( وإلى الله المصير ) أي:وإليه المرجع والمآب ، وهو سريع الحساب ، وسيجزي كل عامل بعمله ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .