{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} وأصبح يتحرك معه في غدواته ورواحه ،بعد أن بلغ من العمر سنّ الرشد الذي يستطيع معه السعي في حاجاته وحاجات الآخرين ،{قَالَ يا بُنَيَّ إِنّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنّي أَذْبَحُك} وهذا ،في وعي النبوّة ،أمرٌ إلهيٌّ يدفعه للقيام بهذه المهمة امتثالاً لأمر الله ،لأن الرؤيا الصادقة التي يحس فيها النبي باليقين الرساليّ تمثل أسلوباً من أساليب الوحي الإلهي ،{فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} لأن المسألة خطيرةٌ بالنسبة إليك ،وهي تدفعك لتفكر تفكيراً عميقاً في الموضوع ،وأنا والدك الذي لا يحب أن يقدم على التنفيذ إلا بعد أن تأخذ قرارك فيه ،بالمقدار الذي يتعلق بك ،ليكون الموقف واحداً في امتثال أمر الله ،مع صعوبته الذاتية بالنسبة إلينا جميعاً .
ولعل إبراهيم كان يعرف بأن ولده سيستجيب لنداء الله ،لما يعرفه من إيمانه وإسلامه له وصلاحه في خط الشريعة الحقة ،ولم ينتظر إبراهيم طويلاً ،فقد أجابه ولده فوراً ،بشكل حاسم:{قَالَ يا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤمَرُ} فإذا كانت هذه إرادة الله ،فلتكن إرادته هي الحاكمة علينا في كل أمورنا ،لأننا لا نملك من أنفسنا إلا ما ملّكنا إياه ،فهو المالك لنا جميعاً ،ما لا يجعل لنا مسألة الاختيار ،التي لو ملكناها ،لكان اختيارنا تبعاً لإرادته ،و{سَتَجِدُنِي إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} فلن أجزع ولن أتهرّب ،بل سأقدّم نفسي للذبح من موقع المستسلم لله ،الخاضع لأمره ونهيه ،الخاشع في عبادته ،فتلك هي إرادتي ،وسأثبت عليها بمشيئة الله ،لأن كل ما أتحرك به أو أتصف به هو هبةٌ منه في اختياره لعباده .