{وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ} بما أغدق الله من اللطف الإلهيّ عليهما مجسداً ببركة النبوة في حركتها الداعية إلى الله ،{وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ} في الإيمان بالله والالتزام بنهجه وشريعته ،{وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ} في الانحراف عن الإسلام ،والبعد عن خط طاعته ،{مُبِينٌ} في وضوح الموقف المنحرف ،ولكل واحدٍ منهما جزاءٌ على ما عمله من خير أو شرّ ،لأن المسألة ليست مسألة الأب الرسول ،بل مسألة الشخص المسؤول في فردية التبعة والجزاء .
كيف نستوحي القصة الرسالية ؟
وهكذا نجد في قصة إبراهيم معنى الشجاعة في الموقف الرسالي ،على خط البطولة الروحية التي استمدّت حيويتها وثباتها وصلابتها من الإيمان بالله والانفتاح عليه ،والوعي للسرّ الإلهي المتمثل في الألوهية المطلقة التي تحتوي العباد في العمق الشامل لكل مفردات حياتهم ،بحيث لا يجد الإنسان لنفسه أيّة حريّة ذاتيّة أمام الله ،عندما يريد منه القيام بأيِّ عمل ،فعلاً أو تركاً ،سواء كان الأمر متعلقاً بموقفه من نفسه على صعيدٍ يتصل بحاجاته الخاصة ،أو بموقفه من عاطفته ،مما يتصل بأهله وولده ،أو بموقفه من الآخرين في حياته العامة ،وذلك على مستوى علاقاته بقومه ،ويتم هذا السلوك على مختلف الاتجاهات في صفاءٍ روحيٍّ ،ووداعةٍ إنسانيّةٍ ،واستسلامٍ عباديٍّ ،لا يشعر فيه المؤمن بانسحاق الإرادة ،بل يجد فيه ،بدلاً من ذلك ،إرادة الحركة الفاعلة في وعي الذات للعبودية التي تملك حريتها في الكون من موقع استسلامها لله وتمرّدها على كل من عداه .