{وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} فهو شاعرٌ كبقية الشعراء الذين لا يملكون أيّة صفةٍ من صفات الغيب أو القداسة التي تفرض على الناس الطاعة والالتزام بما يقولون ،وهو مجنون لا يعي ما يقول ،فلا ينطلق كلامه من قاعدةٍ متوازنةٍ للمعرفة ،فكيف يمكن أن نتبعه ونصدّقه ونترك آلهتنا التي نقدّسها في ما ورثناه من مقدّسات الآباء والأجداد .
ولكن كيف يتحدثون عن الرسول بهذه الطريقة ،وما هي الحجة لهم في ذلك ؟فهل أسلوب القرآن شعر كما هو الشعر ،وهل الفكر الذي يتحدث به النبي( ص ) في مضمونه العميق الواسع الذي يلتقي بالمفاهيم الشاملة للكون والحياة ،في أرحب الآفاق الروحية والفكرية والعملية ،في الخط والمنهج والحركة ،هو حديث جنون ؟وهل يمكن للمجنون أن يخطط للفكر على قاعدة الحكمة ،إذا كان يمكن أن ينطقصدفةًبالحكمة ،وهل يمكن أن يستمر في عمق المعرفة في خطٍّ مستقيمٍ ليبني للمجتمع قواعده ،وللمستقبل خطّه وحركته .
إنهم لم يقدّموافي هذا المجالإلا الكلمات الطائرة التي لا تستقر على قاعدة ،ولهذا كان القرآن حاسماً في الجواب الذي يؤكد الحقيقة الرسالية في حديث النبي( ص ) من موقع الإشراق الذي يتجلى فيه الحق في مضمونه ،والتصديق برسالة الرسل السابقين التي انطلقت في حياة الأمم السابقة بشكل فاعل قويّ ،وحركت الروح الحضارية في دائرة القيم الروحية في واقع الإنسان ،ولا يحتاج الإيمان بذلك إلاَّ إلى دراسة مضمون الرسالة ،وشخصية الرسول ،ومن هنا لم تكن الآية لتطلق حكماً مجرّداً عن الدليل للإثارة الشعورية ،بل أطلقت الحكم من موقع توجيه الانتباه إلى طبيعة المضمون باعتباره واضح الدلالة على الحق الموجود في داخله