{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَآءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً} من دون غايةٍ تنتهي إلى هدفٍ معيّنٍ في تكوينها وحركتها ،ومن دون حكمةٍ عميقة كامنةٍ في كل الظواهر الكونية والإنسانية في ما تخضع له من القوانين التي تنظّم وجودها وتخطط حركتها ،بحيث توحي بالنظام الحكيم القائم على الحق والحكمة في وجوده كله .فالله لا يخلق ما يخلق عبثاً ،ولا يفعل ما يفعل لهواً ولعباً ،لأن ذلك يتنافى مع كماله وجلاله .وإذا كان الله قد خلق الوجود كله على أساس الحق ،فلا بد للإنسان ،الذي هو جزءٌ من الكون الحيّ المتحرك نحو غايةٍ حكيمةٍ مبنيّةٍ على الحقّ ،من أن يتحرك على أساس الاختيار الواعي في نطاق تعاليم الله ومنهاجه العملي في الحياة ،في ما أنزله من شرائعه .
وهكذا يرفض الله الباطل في حركتهم ،كما يرفضه في وجودهم ،ولكن الكافرين لا ينسجمون مع الخط الرسالي الكوني ،لاعتقادهم بعبثية الحياة والنهج المرتكز على الباطل في ما يتخيلونه من أفكار ،و{ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ} الذين يعملون وفق الظن لا اليقين ،فيستسلمون لخيالاتهم الطارئة ،ولا ينطلقون مع تفكيرهم العميق المبني على التأمّل والمعرفة{فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النَّارِ} التي هي جزاء الكافرين المعاندين لله ولرسله ،وهذا الذي أقام الله عليه الحياة العملية للناس ،محدداً الجزاء في العقاب والثواب ،ليجزي المحسنين بإحسانهم ،والمسيئين بإساءتهم ،انسجاماً مع مبدأ العدل الذي يرفض التساوي بين السائرين على الخط المستقيم وبين المنحرفين عنه .