{إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ} فليس هناك شيءٌ من الباطل في الفكر الذي يحرّكه في مضمونه العقيدي ،أو في التشريع الذي يخططه في حركة الشريعة ،أو في المنهج الذي ينتهجه في طريقة التفكير والتحليل ،بل هو الحق الذي يشرق بالتوحيد في مواجهة باطل الشرك ،وبالعقل في مواجهة العاطفة ،وبالعلم في مقابلة الجهل .وبذلك تتكامل شخصيتك في الارتباط بالحق ،والانتماء إليه والالتزام به ،وتتعمق علاقتك بالله ،وينفتح وعيك على آفاق عظمته ،فيخشع له قلبك ،وتخضع لقدسه روحك ،ويخلص له كل كيانك في عمق العبادة وروحية العبودية .{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينِ} وذلك بالقلب الذي يتحرك إخلاصه بالنبض الشعوري بحب الله أكثر من حب أحدٍ غيره ،وبالعقل الذي يطوف باحثاً عن أسرار عظمة الله في الكون ،ليكتشف فيه الرب الخالق القادر الحكيم العليم الرحيم المهيمن المالك لكل ما في الوجود من موقع خلقه له ،فيعيش الخضوع المطلق في كل حركة فكره المشدود إلى هذه العظمة بعمق وانفتاح ،وفي كل حياته التي تلتزم بالله التزاماً شاملاً ،فلا تخضع إلاَّ لشريعته ونهجه بعيداً عن كل شرائع الآخرين ومناهج الكافرين ،وذلك هو معنى عبادة الله في ما يريده الله من عبادة خلقه له ،بأن يكون الكيان كله في داخله وخارجه له ،فلا يكون فيه أيّ شيءٍ لغيره .