هذه صورةٌ حيّةٌ للحالة النفسية والواقعية التي يعيشها المشرك والموحّد في وحدة الشخصية وانقسامها ،وفي التصور الواحد للعقيدة والمفاهيم المتعلقة بالكون والحياة ،وذلك من خلال وحدة الإله الذي يؤمن به المؤمنون ،وتعدد الالهة الذين يعبدهم المشركون ،ما يجعل المؤمن مشدوداً إلى الله الواحد في عقيدته وشريعته وعبادته ،بينما يتوزع المشرك بين هذا الإله وذاك ،وبين هذا التصور العقيدي أو التشريعي الذي يتمثل في أجواء هذا الإله أو ذاك ،فيعيش المؤمن في حالة طمأنينةٍ هادئةٍ مستقرة ،بينما يعيش المشرك حالة القلق والاهتزاز .
{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ} متشاجرون تبعاً لاختلاف مصالحهم وطباعهم السيّئة ،فكل واحدٍ منهم يريد الاحتفاظ به لنفسه وتوجيهه إلى أفكاره ومشاريعه ،وربطه بمصالحه ومشاريعه ،ما يجعله موزّع الشخصية والانتماء والحركة مع هذا أو ذاك .وهكذا يتمثل المشركون الخاضعون لأكثر من إله في الانتماء والعبادة والحركة .
{وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ} أي خالصاً لرجل لا يشاركه فيه أحد ،فهو يتحرك معه ضمن خطّةٍ واحدةٍ ونهجٍ واحد ،في أوامره ونواهيه وتوجيهاته ،فهناك وحدةٌ في العلاقة والتصور والحركة والانتماء ...وهكذا هو الإنسان المؤمن في إيمانه بالله الواحد ،وفي التزامه بأوامره ونواهيه ،وفي انطلاقه في معنى العبادة ،في توحيد العبادة لله ،الذي يؤدي إلى شعوره بالحرية أمام الناس كلهم ،والكون كله ،فلا سلطة هناك إلا سلطة الله ولا عبادة لغيره ،ولا طاعة إلا له ،ولا منهج إلا منهجه في ما أنزله الله من كتاب وأرسله من رسول .
{هَلْ يَسْتَوِيَانِ} فهما ليسا في المستوى نفسه ،لا سيما عند الدخول في مقارنة حول الواقع النفسي والعملي الذي يعيشه إنسان الإيمان وإنسان الشرك .
{الْحَمْدُ للَّهِ} على وضوح الحقيقة ،وعلى سلامة التصور للعقيدة في وحدانية الله وفي عظمته وحكمته ورحمته ،فهو الذي يتوحد الحمد له ،لأن كل حمدٍ لغيره مستمد من حمده ،فهو الذي خلق كل مواقع الحمد في الكون والحياة .
{بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} لأنهم مشدودون إلى ما حولهم من قضايا الحس ،فلا يتطلعون إلى الغيب المنفتح على الله ليعرفوا كيف يجب عليهم توحيده في العبادة ،ورفض عبادة غيره الذي لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً إلا به .