ثمّ يستعرض القرآن المجيد أحد الأمثال التي ضربت ليرسم من خلاله مصير الموحّد والمشرك ،وذلك ضمن إطار مثل ناطق وجميل ،إذ يقول: ( ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ) .
أي إنّ هناك عبداً يمتلكه عدّة أشخاص ،كلّ واحد منهم يأمره بتنفيذ أمر معين ،فهذا يقول له: نفذ العمل الفلاني ،والآخر ينهاه عن تنفيذ ذلك العمل ،وهو في وسطهم كالتائه الحيران ،لا يدري أي أمر ينفّذ ،فالأمران متناقضان ومتضادان ،ولا يدري أيّاً منهما يرضيه ؟
والأدهى من كلّ ذلك أنّه عندما يطلب من أحدهم توفير مستلزمات حياته ،يرميه على الآخر ،والآخر يرميه على الأوّل ،وهكذا يبقى محروماً محتاجاً عاجزاً تائهاً .وفي مقابله هناك رجل سلم لرجل واحد ( ورجلا سلماً لرجل ) .
فهذا الشخص خطه ومنهجه واضح ،وولي أمره معلوم فلا تردد ولا حيرة ولا تضاد ولا تناقض ،يعيش بروح هادئة ويخطو خطوات مطمئنة ،ويعمل تحت رعاية فرد يدعمه في كلّ شيء وفي كلّ أمر وفي كلّ مكان .فهل أنّ هذين الرجلين متساويان ( هل يستويان مثلا ) .
هذا المثال ينطبق على ( المشرك ) و ( الموحد ) فالمشرك يعيش في وسط المتضادات والمتناقضات ،وكل يوم يتعلق قلبه بمعبود جديد ،فلا استقرار في حياته ولا اطمئنان ولا مسير واضح يسلكه .أما الموحّدون فإنّهم يعشقون الله وحده ،وفي كلّ الأحوال يلجؤون إلى ظلّ لطفه ،ولا تنظر عيونهم إلى سواه ،فطريقهم ونهجهم واضح ،ومصيرهم ونهايتهم واضحة أيضاً .
وجاء في حديث لأمير المؤمنين عليه السلام «أنا ذاك الرجل السلم لرسول الله » .وورد في حديث آخر عنه أيضاً «الرجل السلم للرجل حقاً علىّ وشيعته » .
وفي نهاية الآية يقول تعالى: ( الحمد للّه ) فاللّه سبحانه وتعالى بذكره لتلك الأمثال يرشدكم إلى أفضل السبل ،ويضع تحت تصرفكم أوضح الدلائل لتشخيص الحقّ عن الباطل ،فالبارئ عز وجل يدعو الجميع إلى الإخلاص و في ظل الاخلاص تكون السكينة والراحة ،فهل هناك نعمة أفضل من هذه ،وهل هناك أمر آخر يستحق الحمد والشكر أكثر من هذه النعمة ؟!
ولكن أكثرهم لا يعلمون رغم وجود هذه الدلائل الساطعة ،إذ أنّ حبّ الدنيا والشهوات الطاغية عليهم يجعلهم يضلون عن طريق الحقيقة: ( بل أكثرهم لا يعلمون ) .