{قُرْآناً عَرَبِيّاً} في لغته وأسلوبه ،ليفهمه العرب الذين كانوا قاعدة الدعوة وحملة رسالتها ،ويسيروا تحت قيادة النبي العربي الذي جاء ليكون رحمةً للعالمين بإنسانيته المنفتحة على الناس كافة ،وبرسالته الممتدة في الحياة كلها ،وبذلك كانت عروبة القرآن وعروبة النبي وقومه منطلقاً لحركة الدعوة ،لا دائرةً تتجمد فيها ،ليكون الإسلام ديناً قومياً ،أو ليكون النبي رسولاً قوميّاً ،لأنه لا معنى للرسالة أن تنحصر في جماعةٍ معينة ،فالقيم الروحية والمادية التي تحكم الحياة لا تختص بقومٍ دون قوم ،بل تشمل الناس كلهم .
وإذا كان الإسلام وحي الله ،فإنه لا يتأثر في مضمونه بالدائرة القومية التي نزل فيها وانطلق منها ،بل إنه جاء من أجل أن يغيّر الكثير من المفاهيم في مجتمعه ،مما لا ينسجم مع خط العقيدة والشريعة ،ويُبقي ما هو منسجمٌ معها من موقع الإسلام ،لا من موقع القومية ...وقد تؤدي بعض المؤثرات الذاتية أو القومية إلى تنوّعِ في حركة الأساليب التي يتحرك فيها الأشخاص ،أو الاجتهادات التي تمثل طريقتهم في فهم الكتاب والسنة ،ولكن الإسلام يبقى في حقيقته الأصيلة ميزاناً يكشف خطأ الأساليب والأفهام وصوابها ؛{غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} فهو مستقيمٌ في لغته وأسلوبه ومعناه ،وفي انفتاحه على حاجات الإنسان وفي الدعوة إلى أن يكون مستقيماً في تصوراته وحركته ومنهجه ،ليقرب من الله في عقله وروحه وحياته ،{لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} عندما ينضبطون من خلال مراقبة الله في أعمالهم وأقوالهم خوفاً من عقابه ورغبةً في ثوابه .
ترجمة القرآن
وربما يثار في أجواء الحديث عن الصفة العربية للقرآن ،سؤالٌ شرعيٌّ عن جواز ترجمة القرآن إلى لغاتٍ أخرى غير العربية .والجواب أن هذا جائز بلا ريب ،بل ربما كان ضرورياً ليفهمه الناس الذين لا يفهمون اللغة العربية أو الذين لا يستطيعون تعلّمها ،ليطّلعوا على الإسلام من خلال ذلك .ولكن لا بد من أن تكون الترجمة دقيقةً في المعنى والمبنى والجوّ الذي تعيشه اللغة في طريقتها الفنية في التعبير عن الفكرة القرآنية ،تماماً كما هو التفسير للقرآن ،بل إن الترجمة قد تكون نوعاً من أنواع التفسير ،لأنه يعتمد على فهم المعاني القرآنية التي ينقلها المترجم إلى لغةٍ أخرى ،ولهذا فإن الترجمة لن تكون قرآناً ،في ما هي الأحكام الخاصة للقرآن ،بل هي كتاب تفسير .