انتصب{ قُرْءَاناً} على الحال من اسم الإِشارة المبيَّن بالقرآن ،فالحال هنا موطئة لأنها توطئة للنعت في قوله تعالى:{ قُرْءَاناً عَرَبِيَّاً} وإن كان بظاهر لفظ{ قُرْءَاناً} حالاً مؤكدة ولكن العبرة بما بعده ،ولذلك قال الزجاج: إن{ عَرَبِيَّاً} منصوب على الحال ،أي لأنه نعت للحال .
والمقصود من هذه الحال التورك على المشركين حيث تلقوا القرآن تلقيَ من سمع كلاماً لم يفهمه كأنه بلغة غير لغته لا يُعيره بالاً كقوله تعالى:{ فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون}[ الدخان: 58] ،مع التحدّي لهم بأنهم عجزوا عن معارضته وهو من لغتهم ،وهو أيضاً ثناء على القرآن من حيث إنه كلام باستقامة ألفاظه لأن اللغة العربية أفصح لغات البشر .
والعِوج بكسر العين أريد به: اختلال المعاني دون الأعيان ،وأما العَوج بفتح العين فيشملها ،وهذا مختار أيمة اللغة مثل ابن دريد والزمخشري والزجاج والفيروزبادي ،وصحح المرزوقي في « شرح الفصيح » أنهما سواء ،وقد تقدم عند قوله تعالى:{ ولم يجعل له عوجاً} في سورة[ الكهف: 1] ،وقوله:{ لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً} في سورة[ طه: 107] .
وهذا ثناء على القرآن بكمال معانيه بعد أن أثني عليه باستقامة ألفاظه .
ووجه العدول عن وصفه بالاستقامة إلى وصفه بانتفاء العوج عنه التوسلُ إلى إيقاع{ عِوَجٍ} وهو نكرة في سياق ما هو بمعنى النفي وهو كلمة{ غَير} فيفيد انتفاء جنس العِوج على وجه عموم النفي ،أي ليس فيه عوج قط ،ولأن لفظ{ عِوَجٍ} مختص باختلال المعاني ،فيكون الكلام نصاً في استقامة معاني القرآن لأن الدلالة على استقامة ألفاظه ونظمه قد استفيدت من وصفه بكونه عربياً كما علمته آنفاً .
وقوله:{ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} مثل قوله:{ لعَلَّهُم يتذَكَّرُونَ} ،وذُكر هنا{ يَتَّقُونَ} لأنهم إذا تذكروا يسرت عليهم التقوى ،ولأن التذكر أنسب بضرب الأمثال لأن في الأمثال عبرة بأحوال الممثل به فهي مفضية إلى التذكر ،والاتقاء أنسبُ بانتفاء العوج لأنه إذا استقامت معانيه واتضحت كان العمل بما يدعو إليه أيسر وذلك هو التقوى .