عطف على جملة{ الله نَزَّلَ أحْسَنَ الحَدِيثِ} إلى قوله:{ فَما لهُ مِن هَادٍ}[ الزمر: 23] ،تتمة للتنويه بالقرآن وإرشاده ،وللتعريض بتسفيه أحلام الذين كذّبوا به وأعرضوا عن الاهتداء بهديه .وتأكيد الخبر بلام القسم وحرففِ التحقيق منظور فيه إلى حال الفريق الذين لم يتدبروا القرآن وطعنوا فيه وأنكروا أنه من عند الله .
والتعريف في{ الناس} للاستغراق ،أي لجميع الناس ،فإن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم للناس كافة .
وضَرْب المثل: ذِكره ووصفُه ،وقد تقدم في قوله تعالى:{ إن اللَّه لا يستحيِّ أن يضرب مثلاً} في سورة[ البقرة: 26] .وتنوين{ مَثَلٍ} للتعظيم والشرف ،أي من كل أشرف الأمثال ،فالمعنى: ذكرنا للناس في القرآن أمثالاً هي بعض من كل أنفع الأمثال وأشرفها .والمراد: شرف نفعها .
وخُصّت أمثال القرآن بالذكر من بين مزايا القرآن لأجل لَفت بصائرهم للتدبر في ناحية عظيمة من نواحي إعجازه وهي بلاغة أمثاله ،فإن بلغاءهم كانوا يتنافسون في جَودة الأمثال وإصابتها المحزّ من تشبيه الحالة بالحالة .وتقدم هذا عند قوله تعالى:{ ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفوراً} في سورة[ الإِسراء: 89] ،وتقدم في قوله:{ ولقَد ضَرَبنا للنَّاسِ في هذَا القُرْآنِ مِن كل مَثَلٍ} في سورة[ الروم: 58] .
ومعنى الرجاء في{ لَعَلَّهُم يتذَكَّرُونَ} منصرف إلى أن حالهم عند ضرب الأمثال القرآنية كحال من يرجو الناس منه أن يتذكر ،وهذا مِثل نظائر هذا الترجي الواقع في القرآن ،وتقدم في سورة البقرة .
ومعنى التذكر: التأمل والتدبر لينكشف لهم ما هم غافلون عنه سواء ما سبق لهم به علم فنسُوه وشُغلوا عنه بسفسَاففِ الأمور ،وما لم يسبق لهم علم به مما شأنه أن يستبصره الرأي الأصيل حتى إذا انكشف له كان كالشيء الذي سبق له علمه وذهِل عنه ،فمعنى التذكر معنى بديع شامل لهذه الخصائص .
وهذا وصفُ القرآن في حدّ ذاته إن صادف عقلاً صافياً ونفساً مجردة عن المكابرة فتذكر به المؤمنون به من قبل ،وتذكّر به من كان التذكّر به سبباً في إيمانه بعد كفره بسرعة أو ببطء ،وأما الذين لم يتذكروا به فإن عدم تذكرهم لنقص في فطرتهم وتغشية العناد لألبابهم .وكذلك معنى قوله:{ لعلَّهُم يتَّقُونَ} .