{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ} في حوار العقيدة الذي يريد أن يواجه عمق الوجدان وصفاء الفطرة ،لتجتذب القناعة الكامنة في الأعماق المدفونة تحت ركام المشاعر القلقة والكبرياء المعقدة ولتستثيرها بطريقةٍ لا شعورية ،عندما تطرح السؤال بطريقة الصدمة:{مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ} هل يملك أحد ممن يعبده الناس من دون الله ،أن يدّعي ذلك لنفسه ،أو يدَّعيها هؤلاء له ؟!
ويأتي الجواب طبيعياً تماماً كما هي الفطرة الصافية:{لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} فليس هناك شيءٌ يشير إليه الناس كرمزٍ للألوهة إلاَّ وهو مخلوقٌ لله ،خاضعٌ للقوانين التي تحكم الكون بإرادته ،فلا يمكن أن يكون خالقاً لهذا الكون ،بل ربما كان احتمال ذلك ،ولو بدرجة الوهم ،في أعلى درجات السخافة .
{قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} فهل يملك هؤلاء تغيير إرادة الله في عباده في ما قد يقدّره لهم من مرضٍ أو فقر أو خوف أو غير ذلك مما يتمثل في النقص بالنفس والمال ونحوهما ،فيرفعونه عنه ،إذا كان الله لا يريد أن يرفعه ؟
{أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} فلو أراد الله أن ينزل المطر على الناس هل يستطيعون أن يحبسوه ،أو أراد أن يعطي الصحة للإنسان هل يملكون نزعها عنه ،أو أراد الغنى له ،فهل يمكنهم أن يمنعوه عنه ؟وهكذا ...ويبقى السؤال دون جوابٍ إيجابيٍّ ،لأنهم يعرفون أن هؤلاء الذين يتخذونهم شركاء لا يملكون شيئاً من ذلك من قريبٍ أو من بعيد .
{قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ} فهو الذي يكفي الإنسان من كل شيءٍ ،ولا يكفي منه شيء ،{عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} في ما يرجع الأمر إليه ،مما لا يملك الإنسان الاستقلال به في تدبيره ،فيلجأ إلى ربه فيوكل أمره إليه ،بعد أن يكون قد قام بكل ما يستطيع في حساب الأسباب ،وهذا هو معنى التوكل اّلحقيقي الذي يختلف عن معنى الاتكالية التي تترك كل شيء لله ،من دون أن يقدم جهداً أوكل الله أمره إليه .