التّفسير
هل إن آلهتكم قادرة على حل مشاكلكم ؟
الآيات السابقة تحدثت عن العقائد المنحرفة للمشركين والعواقب الوخيمة التي حلّت بهم ،أمّا آيات بحثنا هذا فإنّها تستعرض دلائل التوحيد كي تكمل البحث السابق بالأدلة ،كما تحدثت الآيات السابقة عن دعم البارئ عز وجل لعباده وكفاية هذا الدعم ،والآيات أعلاه تتابع هذه المسألة مع ذكر الدليل .
في البداية تقول الآية: ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرضليقولن الله ) .
العقل والوجدان لا يقبلان أن يكون هذا العالم الكبير الواسع بكل هذه العظمة مخلوق من قبل بعض الكائنات الأرضية ،فكيف يمكن للعقل أن يقبل أنّ الأصنام التي لا روح فيها ولا عقل ولا شعور هي التي خلقت هذا العالم ،وبهذا الشكل فإنّ القران يحاكم أُولئك إلى عقولهم وشعورهم وفطرتهم ،كي يثبّت أول أسس التوحيد في قلوبهم ،وهي مسألة خلق السماوات والأرض .
وفي المرحلة التالية تتحدث الآيات عن مسألة الربح والخسارة ،وعن مدى تأثيرها على نفع أو ضرر الإنسان ،كي تثبت لهم انّ الأصنام لا دور لها في هذا المجال ،وتضيف ( قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هنّ كاشفات ضرّه أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته ){[3820]} .
والآن بعد أن اتّضح أنّ الأصنام ليس بإمكانها أن تخلق شيئاً ولا باستطاعتها أن تتدخل في ربح الإنسان وخسارته ،إذن فلم نعبدها ونترك الخالق الأصلي لهذا الكون ،والذي له اليد الطولى في كلّ ربح و خسارة ،ونمد أيدينا إلى هذه الموجودات الجامدة التي لا قيمة لها ولا شعور ؟وحتى إذا كانت الآلهة ممن يمتلك الشعور كالجن أو الملائكة التي تعبد من قبل بعض المشركين ،فإنّ مثل هذا الإله ليس بخالق و لا يمكنه أن يتدخل في ربح الإنسان و خسارته ،وكنتيجة نهائية وشاملة يقول البارئ عز وجل ( قل حسبي الله وعليه يتوكل المتوكلون ) .
آيات القرآن المجيد أكّدتولعدّة مراتعلى أنّ المشركين يعتقدون بأنّ الله سبحانه وتعالى هو خالق السموات والأرض{[3821]} .وهذا الأمر يبيّن أن الموضوع كان بالنسبة للمشركين من المسلّمات ،وهذا أفضل دليل على بطلان الشرك ،لأن توحيد خالق الكون والاعتراف بمالكيته وربوبيته أفضل دليل على ( توحيد المعبود ) ومن كلّ هذا نخلص إلى أن التوكل لا يكون إلاّ على الله مع صرف النظر عن عبادة غيره .
وإذا أمعنا النظر في المواجهة التي حدثت بين إبراهيم محطم الأصنام والطاغية نمرود الذي ادعى الربوبية والقدرة على إحياء الناس و إماتتهم ،و الذي انبهت وتحير في كيفية تنفيذ طلب إبراهيم( عليه السلام ) عندما طلب منه أن يجعل الشمس تشرق من المغرب إن كان صادقاً في ادعاءاته ،مثل هذه الإدعاءات التي يندر وجودها حتى في أوساط عبدة الأصنام ،لا يمكن أن تصدر إلا من أفراد ذوي عقول ضعيفة ومغرورة وبلهاء كعقل نمرود .
والملفت للنظر أنّ الضمير العائد على تلك الآلهة الكاذبة في هذه الآيات ،إنّما جاء بصيغة جمع المؤنث ( هنكاشفاتممسكات) وذلك يعود لأسباب:
أوّلا: إنّ الأصنام المعروفة عند العرب كانت تسمى بأسماء مؤنثة اللات و مناة والعزى ) .
ثانياً: يريد البارئ عز وجل بهذا الكلام تجسيد ضعف هذه الآلهة أمامهم ،وطبقاً لمعتقداتهم ،لأنّهم كانوا يعتقدون بضعف وعجز الإناث .
ثالثاً: لأنّ هناك الكثير من الآلهة لا روح فيها ،وصيغة جمع المؤنث تستخدم عادة بالنسبة إلى تلك الموجودات الجامدة ،لذا فقد استفيد منها في آيات بحثنا هذا .
كما يجب الالتفات إلى أنّ عبارة ( عليه يتوكل المتوكلون ) تعطي معنى الحصر بسبب تقدم كلمة ( عليه ) وتعني أن المتوكلين يتوكلون عليه فقط .