{وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} وانفتحت كل الساحات أمام الناظرين ،فلا شيء يحجب شيئاً منها عن شيءٍ ،ولا مجال للحواجز المنتصبة في الآفاق مما يمنع عن الرؤية ،وقد يكون المقصود من النور هنا ،المعنى الحسّي الذي يوحي بالإضاءة الطبيعية ،بما يخلقه الله من الوسائل التي تحقق ذلك ،أو بالتجلّي الإلهي للأرض كما يتجلى لفصل القضاء .وقد يكون المقصود منه العدل الذي تضيء به الحياة ،أو الحق والبرهان ،بما يقيمه الله فيها من الحق والعدل ويبسطه من القسط في الحساب ووزن الحسنات والسيّئات ،أو انكشاف الغطاء وظهور الأشياء بحقائقها وبروز الأعمال من خيرٍ أو شرّ أو طاعةٍ ومعصية ،أو حقٍّ أو باطل للناظرين .ولمّا كان إشراق الشيء هو ظهوره بالنور ،فلا ريب أن مظهره يومئذٍ هو الله سبحانه ،إذ الأسباب ساقطةٌ دونه ،فالأشياء مشرقةٌ بنور مكتسب منه .
وربما لا يكون الأمر بحاجةٍ إلى كلَّ هذه التوجيهات ،لأن المسألة المطروحة هي أن الله سبحانه هو الذي يُطلُّ بنوره الذي تشرق به الأرض ،لتكون الكلمة كلمته التي يشعر الجميع هناك في أرض المحشر بأن الله هووحدهالذي يملك الأمر كله ،ويشرق نوره على الساحة كلها ،{وَوُضِعَ الْكِتَابُ} الذي يشتمل على أعمال الخلق ،سواءٌ كتاب الفرد أو كتاب الأمّة ،ليكون هو الأساس في النتائج ،{وَجِيءَ بِالنَّبِيِّيْنَ وَالشُّهَدَآءِ} لأن النبيين هم الشهود على حركة الرسالة في خط التبليغ ،وأما الشهداء ،فهم الذين يشهدون على حركة الرسالة في خط الواقع في سلوك الإنسان العام والخاص .وقد تكرر الحديث في القرآن أن الله قد أخرج من كل أمةٍ شهيداً ،وقد يلتقي الأنبياء والشهداء من أوصيائهم وأوليائهم في شهادةٍ واحدةٍ حول موضوعٍ واحد ،وقد يشهد كل واحدٍ منهم بموضوعٍ يختلف عما يشهد به الآخر ...وهكذا تتم المحاكمة من خلال الكتاب والشهود ،لتقوم الحجة على الناس من خلال الوسائل الظاهرة ،كما قامت عليهم من خلال القضايا الخفية التي يعلمها الله .{وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} لأنه لا معنى للظلم في يوم القيامة الذي يملك الله كل أمره ،وهو مستحيل عليه ،ولا معنى لنسبته إليه ،لأن الظلم مظهر ضعف من الظالم في ما يخافه من أمر المظلوم ،والله القويّ القادر لا يخاف أحداً من عباده ،بل يخاف كل العباد مواقع عدله ،بسبب ما يستحقونه من ذنوبهم وجرائمهم .