{ولأضِلَّنَّهُمْ} وأقودهم إلى الضياع حيث لا يجدون أمامهم العلامات الهادية إلى مقاصدهم التي تفتح لهم أبواب الهدى ؛{وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ} فأغرق كل تصوراتهم بالأحلام الخيالية والأماني المعسولة التي يعيش الإنسان معها في أجواء مسحورة بعيدة عن الحقيقة ،مما يؤدي إلى تخبّطه وإمعانه في ضلال التيه ،ويظل يركض وراء الأوهام فيبتعد رويداً رويداً عن نداء الحقيقة الإلهية المشرقة ؛{ولآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ الاَْنْعَامِ} ،وذلك بأن يشقوا آذانها فتحرمبذلك في زعمهمعليهم وتكون للأصنام ؛كما كان سائداً في الحياة العربية الجاهلية .وقد أراد الله أن يبيّن أنه من تسويلات الشيطان ،لأن التحريم والتحليل بيد الله ،فلا حرمة لما لم يحرمه الله ،فكيف يحكمون بحرمتها ؟{وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} فسّر ذلك بالتغيير الجسدي ،واعتبر حلق اللحية أحد مصاديقه ،وجعلت هذه الآية دليلاً لحرمته وقيل: إن من مصاديقه الخصاء الذي كان يستعمل للعبيد حتى يدخلوا على النساء من دون حرج ؛وفسّره البعض بأنه التغيير المعنوي ،وهو تغيير الفطرة التي فطر الله الناس عليها وهي التوحيد ،انطلاقاً من قوله تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [ الروم:30] ،وذلك بإبعادهم عنها في ما يعتقدون وما يعملون وما يتصفون به من أخلاق ...
وقد جاء في تفسير العياشي بإسناده عن أبي عبد الله جعفر الصادق( ع ) قال: أمرُ الله بما أمَرَ به ،وعن الإمام أبي جعفر محمد الباقر( ع ) قال: دين الله .
ويناقش المنكرون لتخصيصها بالتغيير الجسدي ،أن الآية لم تتحدث عن تغيير جسم الإنسان ،بل تحدثت عن تغيير خلق الله ،فإذا أريد منه المعنى المادي ،فيلزم حرمة تغيير كل ما خلقه الله من النبات والحيوان والجماد والإنسان ،وهو أمر مقطوع البطلان ،لجواز التغيير في أكثر ذلك ،فإذا التزمنا بالتخصيص ،لزم تخصيص الأكثر .وعلى ضوء هذا ،فلا مانع من تحويل الإنسان من جنس إلى آخر ،كتغيير الذكر إلى أنثى والعكس ،لأنه باقٍ على أصل الإباحة وتفصيل ذلك في كتب الفقه .
{وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً} ،لأنه ليس صادقاً في وعوده ومودته للإنسان ،فكيف يأمن له ويستريح إلى كلماته ؟