{وَمَن يَعْصِ اللَّهَ} أو ينحرف عن خط العبودية له ،فيتمرد على تعاليمه وأوامره ونواهيه في شؤون الفرائض وغيرها ،{وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ} فيتجاوزها إلى تشريعات غيره مما يشرّعه المنحرفون عن الله أو توحي به النفس الأمّارة بالسوء من خلال وسوسات الشيطان ،{يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا} فلا يموت فيها فيرتاح{وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} وأية إهانةٍ أعظم من هذا النوع من الإحراق والتعذيب والإسقاط الروحي الذي لا يملك الإنسان فيه أيّ توازنٍ أو احترام .
أمّا اختلاف التعبير بالجمع عن أصحاب الجنة في قوله:{خَالِدِينَ فِيهَا} وبالفرد عن أصحاب النار في قوله:{خَالِداً فِيهَا} فلعل الأساس فيه أن أهل الجنة ينعمون بنعيمها مجتمعين ،بينما أهل النار مشغولون بأنفسهم عن غيرهم ؛فلكل واحدٍ منهم عذابه وآلامه التي لا تتيح له التطلع أو التفكير بمن حوله من الآخرين .
هل يخلّد العاصي المسلم في النار ؟
ربما توحي هذه الآية كغيرها من الآيات التي تتحدث عن عذاب المتعدي لحدود الله في أجواء المعصية ،بخلود العاصي في النار ،وأن المسلم يمكن أن يخلد في النار بفعل معصيته ،وهذا هو ما استدل به القائلون بأن مرتكب الكبيرة من أهل الصلاة مخلّد في النار ومعاقبٌ فيها لا محالةكما جاء في مجمع البيانولكنه أشكل عليهم بأن الظاهر أن قوله{وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ} يراد به جميع حدوده في العقيدة والعمل ،وهذه هي صفة الكفار ،لأن المؤمن يقف عند حدود الله في العقيدة وفي بعض مواقع الشريعة ،ويتجاوزها في البعض الآخر ،فلا تنطبق عليه الآية ؛هذا من جهة ،ومن جهة أخرى فإن «صاحب الصغيرةبلا خلافخارج من عموم الآية وإن كان فاعلاً للمعصية ومتعدياً حدّاً من حدود الله ،وإذا جاز لهذا القائل إخراجه منه بدليل ،جاز لغيره أن يخرج من عمومها من يشفع له النبي( ص ) أو يتفضل عليه الله سبحانه بالعفو ،بدليل آخر ،وأيضاً ،فإنّ التائب لا بدّ من إخراجه من عموم الآية لقيام الدليل على وجوب قبول التوبة ،فكذلك يجب إخراج من يتفضل الله عليه بإسقاط عقابه منها لقيام الدلالة على جواز وقوع التفضّل بالعفو ،فإن جعلوا الآية دالة على أنّ الله سبحانه لا يختار العفو ،جاز لغيرهم أن يجعلها دالة على أنّ العاصي لا يختار التوبة ،على أن في المفسرين من حمل الآية على من تعدى حدود الله وعصاه مستحلاً لذلك ،ومن كان كذلك لا يكون إلا كافراً » .
ولكن من الممكن أن تكون هذه الآية وأمثالها واردة على سبيل تحديد الاستحقاق للعذاب الخالد لا على بيان الفعلية ،فلا تنافي ما دل على عدم خلود المسلم في النار ،لأن إسلامه قد يكون سبباً في العفو الإلهي عنه ،والله العالم .