ثمّ يذكر سبحانه ما يقابل هذا المصير في صورة المعصية ،وتجاوز الحدود الإِلهية إذ يقول: ( ومن يعص الله ورسوله ويتعدّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها ) .
على أنّنا نعلم أن معصية الله ( مهما كانت كبيرة ) لا توجب الخلود والعذاب الأبدي في النار ،وعلى هذا الأساس يكون المقصود في الآية الحاضرة هم الذين يتعدون حدود الله عن تمرد وطغيان وعداء وإِنكار لآيات الله ،وفي الحقيقة الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ،ولا يستبعد هذا المعنى إِذا لاحظنا أن «حدود » جمع ،وهو مشعر بأن يكون التعدي شاملا لجميع الحدود والأحكام الإِلهية ،لأن الذي يتجاهل كل القوانين الإِلهية لا يؤمن بالله عادة ،وإِلاّ فإِنّه يحترم ولو بعضهاعلى الأقل .
إِنّ الملفت للنظر في الآية السابقة أنّ الله تعالى عبّر عن أهل الجنّة بصيغة الجمع حيث قال تعالى: ( خالدين فيها ) بينما عبر عن أهل النّار بصيغة المفرد حيث قال ( خالداً فيها ) .
إِنّ هذا التفاوت في التعبيرفي الآيتين المتلاحقتينشاهد واضح على أن لأهل الجنّة اجتماعات ( أو بعبارة أُخرى أنّ هناك حالة اجتماعية بين أهل الجنّة ونزلائها ) وتلك هي في حد ذاتها نعمة من نعم الجنّة ،ينعم بها ساكنوها وأصحابها ،بينما يكون الوضع بالنسبة إلى أهل النار مختلفاً عن هذا ،فكل واحد من أهل النار مشغول بنفسهلما فيه من العذاببحيث لا يلتفت إِلى غيره ،ولا يفكر فيه ،بل هو مهتم بنفسه ،يعمل لوحده ،وهذه هي حالة المستبدين المتفردين بالرأي والموقف ،والجماعات المتحدة والمجتمعة في المقابل ،في هذه الدنيا أيضاً ،فالفريق الأول يمثل أهل جهنم ،بينما يمثل الفريق الثاني أهل الجنّة .
/خ14