{وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} وتعود كلمة التوبة في خط إرادة الله ،ولكن هل هي تكرير وتأكيد ؟ربما كان الأمر كذلك ،وربما كانت التوبة في الآية الأولى بياناً للمنهج الذي وضعه الله لعباده ؛من أجل أن تتكامل لهم المعرفة والهداية والسير على الخط المستقيم ،بعيداً عن كل المقارنات والمعادلات في ما حولهم ومن حولهم ...أما في هذه الآية ،فقد جاءت لتدخل الإنسان في عملية موازنة ومقارنة ،في ما يواجهه الإنسان من العناصر الشريرة المنحرفة التي تريد أن تضله وتبعده عن الله ؛ليوازن بين ما يريده الله له وبين ما يريده له الآخرون ؛فإن الله يريد أن يبلغ بالإنسان إلى الدرجات العليا التي يحصل بها على رضا الله تعالى ،من خلال ما تعنيه كلمة التوبة من مقدمات ونتائج .
{وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً} فليس لهؤلاء قاعدة أساسية ثابتة في فكر الإنسان وروحه وضميره ،وليس لهم هدف كبير في حياتهم يسعون إليه ،ليكون لهممن خلال ذلكالمستوى الذي يجعلهم موضع ثقة الآخرين ومحل اعتمادهم ،بل كل ما هناك أنهم يعيشون للجانب الحسي الحيواني في حياتهم وحياة الآخرين ؛فالحياة عندهم لذة وشهوة ،والإنسان عندهم كائن ذو شهوات ،والمبادىء لديهم تتلخص في العمل على الوصول إلى الارتواء من ينابيع الشهوات ما أمكنهم ذلك .وهكذا اختصر القرآن ذلك كله بقوله{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ ...} ،فهي القبلة التي يتوجهون إليها في كل تطلعاتهم ومشاعرهم .وإذا كانت الشهوات هي التي يتبعونها ويقودون الناس إليها ،فإن الغاية التي يستهدفونها هي أن يميل الناس عن الخط الصحيح المستقيم ميلاً عظيماً ،لأن الشهوات لا تخضع لميزان دقيق متوازن ،يحفظ للإنسان مصلحته الحقيقية في خط الاستقامة ،بل إنها تنخفض وترتفع تبعاً للأجواء الحسية المحيطة بمشاعر الإنسان ونزواته ،مما يؤدي به إلى أن يفقد توازنه ويميل نحو الهاويةالتي تنتظرهميلاً عظيماً .