وهذه الآيات انطلاقة جديدة للدعوة إلى إطاعة الله والرسول ،في خط الجهاد الذي فرضه على الأمة ،لتكون قادرةً على مواجهة التحديات من مواقع القوة ،لأن أية أمة تريد الوقوف على قدميها ،لا بد لها من قاعدة فكرية تواجه بها الفكر المنحرف الضال ،ومن قاعدةٍ للقوّة تواجه بها الفئات المنحرفة الضالة ،لتستمر في رسالتها على مدى الزمن .ولهذا جاء النداء للمؤمنين ليأخذوا حذرهم من كل التحديات المحتملة المحيطة بهم ،{يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ} فهناك أكثر من عدو يتربّص بهم ،سواء كان من أهل الكتاب أو المشركين ،وهناك أكثر من جهة تعبث بأمنهم ،سواء في ذلك المنافقون وغيرهم .فلا بد لهم من مواجهة ذلك كله بالاستعداد ،{فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُواْ جَمِيعاً} فإذا جاء وقت النفر إلى الجهاد ،فعليهم أن ينفروا متفرّقين أو مجتمعين ،حسب الخطة الموضوعة للنفر في نطاق المصلحة العليا للإسلام والمسلمين ؛فقد تكون المصلحة أن يخرجوا فرقة فرقة ،وهو ما يسمى بنظام السرايا ،وقد تكون المصلحة أن يخرجوا جميعاً وهو ما يسمى بنظام العسكر .
لا بد من الحذر على كل المستويات
وإذا دققنا في كلمة{خُذُواْ حِذْرَكُمْ} فإننا ننفتح من خلالها على كل ساحات الصراع التي يمكن أن يتواجد فيها أعداء الإسلام والمسلمين في كل زمان ومكان ،ليستغلوا كل الثغرات الموجودة في المجتمع المسلم لينفذوا من خلالها إليه ،للإضرار به ليبعثوا بأمنه أو ليحشدوا القوة العاتية ،ليهجموا بها على الواقع الإسلامي كله ،لأن المعركة في حركة التحديات المضادة مستمرة في صراع الحق والباطل والخير والشرّ .وإذا أردنا استنطاق كلمة{حِذْرَكُمْ} فإنها تعني مواجهة كل الأوضاع والمشاكل والتيارات المختلفة والظروف المتنوعة ،بالكثير من الدراسة والتخطيط للتعرف على مخططات العدو في مواقع قوته وقدرته وأساليبه واستراتيجيته ،ومداه البشري والعسكري ،ولتجميع كل نقاط القوة المتناثرة في الساحة الإسلامية ،ولتوزيع الطاقات على مواقع المعركة بكل دقةٍ وإتقان ،لأن قضية المواجهة لا تسير على نهج واحد وعلى أسلوب واحد ،بل تتنوع تبعاً لتنوع قدرات العدو وأوضاعه .
ولا بد من التنبيه على أن كلمة «الحذر » ،تختلف عن كلمة «الخوف » فإن الخوف يشلّ القدرة ويدفع إلى الهزيمة ،أما الحذر ،فإنه يوحي بالدراسة الدقيقة الموضوعية للواقع للتعرف على أفضل الوسائل للمواجهة بطريقةٍ حكيمة واعية ومدروسة .