التّفسير
الحذر الدّائم:
«الحذر » يعني اليقظة والتأهب والترقب لخطر محتمل ،كما يعني أحياناً الوسيلة التي يستعان بها لدفع الخطر .
أمّا كلمة «ثُبات » فتفيد معنى المجموعات المتفرقة ،ومفردها «ثبة » من مادة «ثبي » أي جمع .
والقرآن يخاطب عامّة المسلمين في الآية المذكورة أعلاه ،ويقدم لهم اثنتين من التعاليم اللازمة لصيانة وجود المسلمين والمجتمع الإِسلامي تجاه كل خطر يهدد هذا الوجود .
ففي البداية تأمر الآية المؤمنين بالتمسك باليقظة والبقاء في حالة التأهب من أجل مواجهة العدو ،وتحذرهم من الغفلة عن هذا الأمر: ( يا أيّها الذين آمنوا خذوا حذركم ...) .
ثمّ تأمر الآية بالإِستفادة من الأساليب والتكتيكات المختلفة في مواجهة العدو ،من ذلك الزحف على شكل مجموعات إن تطلب الأمر مثل هذا الأسلوب ،أو على شكل جيش موحّد مترابط إِن استدعت المواجهة هجوماً شاملا منسجماً ،وفي كلتا الحالتين لابدّ من المواجهة الجماعية ( فانفروا ثُبات أو انفروا جميعاً ) .
ذهب بعض المفسّرين إِلى أن معنى «الحذر » في الآية هو «السلاح » لا غير ،بينما للحذر معنى واسع لا يقتصر على السلاح ،ثمّ أن الآية ( 102 ) من هذه السورة تدل بوضوح على أنّ الحذر غير السلاح حيث يقول تعالى: (...أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم ...) وجواز وضع السلاح ( في الصلاة ) مع أخذ الحذر يدل على أنّ الحذر لا يعنى السلاح بالذات .
الآية الكريمة هذه تشتمل على أمر عام مطلق لجميع المسلمين في كلّ العصور والأزمنة ،ويدعو هذا الأمر المسلمين إِلى الإِلتزام باليقظة والإِستعداد الدائم لمواجهة أي طارئ من جانب الأعداء ولحماية أمن الأمة ،وذلك عن طريق التحلّي بالإِستعداد المادي والمعنوي الدائمين .
وكلمة «الحذر » أيضاً تستوعب بمعانيها الواسعةكل أنواع الوسائل المادية والمعنوية الدفاعية التي يتحتم على المسلمين اتباعها ،من ذلك التعرف على قدرة العدو من حيث العدّة والعدد ،وأساليبه الحربية ،والإِستراتيجية ،ومدى فاعلية أسلحته ،وكيفية مواجهتها والإِحتماء من خطرها وخطر العدوّ نفسه ،وبذلك يكون المسلمون قد أوفوا من حيث العمل بما يتطلبه منهم أمر «الحذر » من الإِستعداد والتأهب واليقظة لمواجهة أي خطر طارئ .
ويشتمل أمر «الحذر » أيضاً على الإِستعداد النفسي والثقافي والإِقتصادي ،لتعبئة كافة الإِمكانيات البشرية ،والإِستفادة من أقوى أنواع الأسلحة وأكثرها تطوراً في الوقت المطلوب ،وكذلك الإِلمام بصور استخدام هذا السلاح وأساليبه ،فإِذا كان المسلمون يلتزمون بهذا الأمر ويطبقونه على حياتهم لاستطاعوا أن يجنّبوا أنفسهم وأُمّتهم الفشل والتقهقر والهزيمة على مدى تاريخهم المليء بالأحداث .
والشيء الآخر الذي يفهم من هذه الآية الكريمة ،هو اختلاف أساليب مواجهة العدو بحسب ما تقتضيه الضرورة ،ويعينه الظرف ،ويحدد موقع العدوفلو كان هذا الموقع يتطلب مقابلة العدو بجماعات منفصلة ،لوجب استخدام هذا الأسلوب مع كل ما يحتاج إِليه من عدد وعدّة وغير ذلك ،وقد يكون موقع العدو بصورة تقتضي مواجهة العدو في هجوم عام ضمن مجموعة واحدة متماسكة ،وعند هذا يجب أن يعدّ المسلمون العدّة اللازمة والعدد الكافي لمثل هذا الهجوم الشامل .
ومن هنا يتّضح أنّ إصرار البعض على أن يكون للمسلمين أُسلوب كفاحي واحد دون اختلاف في التكتيك لا يقوم على منطق ولا تدعمه التجارب ،إِضافة إِلى أنّه يتنافى مع روح التعاليم الإِسلامية .
لعل الآيةأعلاهتشير أيضاً إِلى أنّ المسألة الهامّة هي تحقيق الأهداف الواقعية سواء تطلب الأمر أن يسلك الجميع أُسلوباً واحداً ،أو أن ينهجوا أساليب متنوعة .
ويفهم من كلمة «جميعاً » أنّها تعني أنّ المسلمين كافّة مكلّفون بالمشاركة في أمر مواجهة العدو ،ولا يختص هذا الحكم بطائفة معينة .