{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى اللَّهِ} من موقع إيمانه الذي عاش عمق العقيدة في عقله ووجدانه ،وتحرّك في حياته من موقع المسؤولية في خط الدعوة ،عاملاً على فتح عقول الناس وقلوبهم على الله ليعرفوه ويؤمنوا به ويتحركوا في طريق طاعته ،وكان ذلك همه الأساس الذي يحوِّل العقيدة إلى حالةٍ في الذات ،وحركةٍ في الرسالة ،لأن كل مؤمنٍ رسولٌ في حجم قدرته على أداء الرسالة ،والإيمان في مضمونه شأن من شؤون الدعوة إلى الله ،{وَعَمِلَ صَالِحاً} باعتبار أن العمل الصالح هو التجسيد الواقعي للإيمان الذي لا يريد الله له أن يكون مجرد حالةٍ عقليةٍ في الفكر ،أو شعوريةٍ في الإحساس ،بل يريده أن يكون موقفاً في العمل ،وحركةً في الذات ،ولهذا رأينا القرآن يركز دائماً على العمل الصالح إلى جانب الإيمان ،فلا يكتفي بالإيمان وحده ،كما لا يكتفي بالعمل وحده{وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} لله في كل أموري في الحياة ،فلا أملك فكراً غير ما أوحاه الله من الفكر ،ولا أتحرك في عاطفةٍ أو شعورٍ إلا في الخط الذي أرادني أن أحرِّك مشاعري فيه ،فلا أحب إلا من يحب ،ولا أبغض إلا من يبغض ،ولا أبني علاقاتي العملية إلا في الدائرة التي تبني للأمة القواعد التي تشد الناس بعضهم إلى بعض ،وتجمعهم في العمل والحركة من أجل بناء الحياة على أساسٍ ثابت في مواضع رضى الله ،ولا أنتمي إلا إلى المحور الذي تنطلق في داخله رسالة الله في حركيتها الفاعلة في مواجهة المحاور الآخرى التي تلتزم نهجاً غير نهج الإسلام ،وتتحرك في دوائر الكفر والشرك والاستكبار ،وذلك هو تجسيد العبودية المطلقة التي يعيشها الإنسان المؤمن في إسلامه المطلق لله في كل حياته .
وربما نستوحي من قوله تعالى:{وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} أن الله يريد للإنسان المؤمن إعلان انتمائه إلى الإسلام كلامياً ،تماماً كما يريد له تأكيد ذاك الانتماء عملياً ،لأن للإعلان الكلامي دوراً تربوياً في ترسيخ الانتماء في العقل والوجدان ،وفي تأصيل الشخصية الإسلامية عندما تعطي نفسها عنواناً واضحاً ،لا لبس فيه ولا غموض ،وتمنعها من الانحراف تحت عناوين يوحي بها الكفر لإبعاد الإنسان المؤمن عن الالتزام الصريح بالإسلام ،باعتبار أن صراحة الانتماء قد تعزل الإنسان المسلم سياسياً ،أو اجتماعياً ،أو تعقّد علاقاته مع المجتمع الذي يعيش في داخله ،أو بعد الصراحة تلك ،تعبيراً عن فقدان المرونة والتصلّب مما لا يتناسب مع عقلية الانفتاح ..فالكفر يعمل على جعل موقف المؤمن الحركي حيادياً في الشكل ،تماماً كما لو كان بلا لونٍ ولا صفةٍ ولا شخصية ،ما يجعل التعبير العلني عن الانتماء ردّاً لكل هذه المحاولات الهادفة إلى إبعاد الإسلام عن واجهة الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية ..