التّفسير
ادفع السيئة بالحسنة:
مازالت هذه المجموعة من الآيات الكريمة تتحدث عن الصورة الأُخرى ؛عن المؤمنين الذين يتبعون أحسن القول .
يقول تعالى: ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ) .
وبالرغم من أنّ الآية استفهامية ،إلاّ أنّ الاستفهام هنا إنكاري ،بمعنى أنّه ليس هناك أفضل من كلام الشخص الذي يدعو إلى الله وينادي بالتوحيد ،ثمّ يؤكّد دعوته اللفظية هذه ويقرنها بالفعل والعمل الصالح .
إنّ اعتقاد هؤلاء بالإسلام وتسليمهم للباري جلّ وعلا ،يدعم عملهم الصالح .
إنّ الآية الكريمة هذه ترسم ثلاث صفات لذي القول الحسن هي: الدعوة إلى الله ،والعمل الصالح ،والتسليم ،حيال الحق .
إنّ أمثال هؤلاء فضلا عن تمسكهم بالأركان الإيمانية الثلاثة ( الإقرار باللسان ؛والعمل بالأركان ،والإيمان بالقلب ) فإنّهم تمسكوا بركن رابع هو التبليغ والدعوة ونشر دين الحق ،وإقامة الدليل على أصول الدين ،ودفع آثار الشرك والتردد من قلوب عباد الله .
إنّ هؤلاء المنادين ،بصفاتهم الأربع ،يعتبرون أفضل المنادين والدعاة في العالم .
وبرغم ما ذهب إليه بعض المفسّرين من قولهم بانطباق الصفات السابقة على شخص رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو هو والأئمّة الذين يدعون إلى الحق ،أو المؤذنين خاصة .لكن من الواضح أنّ للآية مفهوماً أوسع بحيث يشمل كلّ المنادين بالتوحيد ممّن تشملهم الصفات المذكورة .بالرغم من أن أفضل مصداق لذلك هو الرسول( صلى الله عليه وآله وسلم ) [ خاصة في فترة نزول الآية] ثمّ يأتي بعد ذلك الأئمّة من أهل البيت( عليهم السلام ) ،وبعدهم جميع العلماء والمجاهدين في طريق الحق ،والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ،والداعين للإسلام من أي طائفة كانوا .
إنّ هذه الآية فخر عظيم وعزّ كبير لكل أُولئك ،كي تتقوى عزائمهم ويربط على قلوبهم .
وإذا قيل بأن الآية مدح لبلال الحبشي المؤذن الخاص لرسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) فذلك بسبب أنّه أطلق نداء التوحيد في فترة من أحلك الفترات وأوحشها في تأريخ الدعوة الإسلامية ،وعرّض روحه للخطر .
ثم كمّل هذه الأوصاف بإيمانه الراسخ ،واستقامته التي لا نظير لها ،وأعماله الصالحة ،والاستمرار على نهج الإسلام الصحيح .
أمّا قوله تعالى: ( وقال إنني من المسلمين ) فللمفسّرين فيه قولان:
الأوّل: أنّ ( قال ) هنا من ( قول ) وتعني الاعتقاد ،ويكون المعنى: الذي عنده الاعتقاد الراسخ بالإسلام .
الثّاني: أنّ ( قول ) بمعنى الحديث والتحدّث ،وحين ذلك يكون المعنى: الذي يفتخر ويتباهى بالدين الإلهي ،وينادي بصوت مرتفع إنني من المسلمين .
المعنى الأوّل يبدو أكثر قبولا بالرغم من أنّ مفهوم الآية يتحمل المعنيين .
/خ36