يقول تعالى:( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ) أي:دعا عباد الله إليه ، ( وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) أي:وهو في نفسه مهتد بما يقوله ، فنفعه لنفسه ولغيره لازم ومتعد ، وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه ، وينهون عن المنكر ويأتونه ، بل يأتمر بالخير ويترك الشر ، ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى . وهذه عامة في كل من دعا إلى خير ، وهو في نفسه مهتد ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى الناس بذلك ، كما قال محمد بن سيرين ، والسدي ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم .
وقيل:المراد بها المؤذنون الصلحاء ، كما ثبت في صحيح مسلم:"المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة "وفي السنن مرفوعا:"الإمام ضامن ، والمؤذن مؤتمن ، فأرشد الله الأئمة ، وغفر للمؤذنين ".
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن عروبة الهروي ، حدثنا غسان قاضي هراة وقال أبو زرعة:حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن مطر ، عن الحسن ، عن سعد بن أبي وقاص أنه قال:"سهام المؤذنين عند الله يوم القيامة كسهام المجاهدين ، وهو بين الأذان والإقامة كالمتشحط في سبيل الله في دمه ".
قال:وقال ابن مسعود:"لو كنت مؤذنا ما باليت ألا أحج ولا أعتمر ولا أجاهد ".
قال:وقال عمر بن الخطاب:لو كنت مؤذنا لكمل أمري ، وما باليت ألا أنتصب لقيام الليل ولا لصيام النهار ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"اللهم اغفر للمؤذنين "ثلاثا ، قال:فقلت:يا رسول الله ، تركتنا ، ونحن نجتلد على الأذان بالسيوف . قال:"كلا يا عمر ، إنه يأتي على الناس زمان يتركون الأذان على ضعفائهم ، وتلك لحوم حرمها الله على النار ، لحوم المؤذنين ".
قال:وقالت عائشة:ولهم هذه الآية:( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) قالت:فهو المؤذن إذا قال:"حي على الصلاة "فقد دعا إلى الله .
وهكذا قال ابن عمر ، وعكرمة:إنها نزلت في المؤذنين .
وقد ذكر البغوي عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - أنه قال في قوله:( وعمل صالحا ) قال:يعني صلاة ركعتين بين الأذان والإقامة .
ثم أورد البغوي حديث "عبد الله بن المغفل "قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"بين كل أذانين صلاة ". ثم قال في الثالثة:"لمن شاء "وقد أخرجه الجماعة في كتبهم ، من حديث عبد الله بن بريدة ، عنه وحديث الثوري ، عن زيد العمي ، عن أبي إياس معاوية بن قرة ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال الثوري:لا أراه إلا وقد رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -:"الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة ".
ورواه أبو داود والترمذي ، والنسائي في "اليوم والليلة "كلهم من حديث الثوري ، به . وقال الترمذي:هذا حديث حسن .
ورواه النسائي أيضا من حديث سليمان التيمي ، عن قتادة ، عن أنس ، به .
والصحيح أن الآية عامة في المؤذنين وفي غيرهم ، فأما حال نزول هذه الآية فإنه لم يكن الأذان مشروعا بالكلية ; لأنها مكية ، والأذان إنما شرع بالمدينة بعد الهجرة ، حين أريه عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري في منامه ، فقصه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمره أن يلقيه على بلال فإنه أندى صوتا ، كما هو مقرر في موضعه ، فالصحيح إذا أنها عامة ، كما قال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الحسن البصري:أنه تلا هذه الآية:( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) فقال:هذا حبيب الله ، هذا ولي الله ، هذا صفوة الله ، هذا خيرة الله ، هذا أحب أهل الأرض إلى الله ، أجاب الله في دعوته ، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته ، وعمل صالحا في إجابته ، وقال:إنني من المسلمين ، هذا خليفة الله .