( نزلا من غفور رحيم ) أي:ضيافة وعطاء وإنعاما من غفور لذنوبكم ، رحيم بكم رءوف ، حيث غفر ، وستر ، ورحم ، ولطف .
وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديث سوق الجنة عند قوله تعالى:( ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم ) ، فقال:
حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين أبي سعيد ، حدثنا الأوزاعي ، حدثني حسان بن عطية ، عن سعيد بن المسيب:أنه لقي أبا هريرة [ رضي الله عنه] فقال أبو هريرة:نسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة . فقال سعيد:أوفيها سوق ؟ قال:نعم ، أخبرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أهل الجنة إذا دخلوا فيها ، نزلوا بفضل أعمالهم ، فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة في أيام الدنيا فيزورون الله ، عز وجل ، ويبرز لهم عرشه ، ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة ، وتوضع لهم منابر من نور ، ومنابر من لؤلؤ ، ومنابر من ياقوت ، ومنابر من زبرجد ، ومنابر من ذهب ، ومنابر من فضة ، ويجلس [ فيه] أدناهم وما فيهم دنيء على كثبان المسك والكافور ، ما يرون بأن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلسا .
قال أبو هريرة:قلت:يا رسول الله ، وهل نرى ربنا [ يوم القيامة] ؟ قال:"نعم هل تتمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر ؟ "قلنا:لا . قال - صلى الله عليه وسلم -:"فكذلك لا تتمارون في رؤية ربكم تعالى ، ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الله محاضرة ، حتى إنه ليقول للرجل منهم:يا فلان بن فلان ، أتذكر يوم عملت كذا وكذا ؟ - يذكره ببعض غدراته في الدنيا - فيقول:أي رب ، أفلم تغفر لي ؟ فيقول:بلى فبسعة مغفرتي بلغت منزلتك هذه . قال:فبينما هم على ذلك غشيتهم سحابة من فوقهم ، فأمطرت عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه شيئا قط ". قال:ثم يقول ربنا - عز وجل -:قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة ، وخذوا ما اشتهيتم ". قال:"فنأتي سوقا قد حفت به الملائكة ، فيها ما لم تنظر العيون إلى مثله ، ولم تسمع الآذان ، ولم يخطر على القلوب . قال:فيحمل لنا ما اشتهينا ، ليس يباع فيه شيء ولا يشترى ، وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا ". قال:"فيقبل الرجل ذو المنزلة الرفيعة ، فيلقى من هو دونه - وما فيهم دنيء فيروعه ما يرى عليه من اللباس ، فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه أحسن منه ; وذلك لأنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها .
ثم ننصرف إلى منازلنا ، فيتلقانا أزواجنا فيقلن:مرحبا وأهلا بحبنا ، لقد جئت وإن بك من الجمال والطيب أفضل مما فارقتنا عليه . فيقول:إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار - عز وجل - وبحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا به ".
وقد رواه الترمذي في "صفة الجنة "من جامعه ، عن محمد بن إسماعيل ، عن هشام بن عمار ، ورواه ابن ماجه عن هشام بن عمار ، به نحوه . ثم قال الترمذي:هذا حديث غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه .
وقال الإمام أحمد:حدثنا ابن أبي عدي ، عن حميد ، عن أنس قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ". قلنا يا رسول الله كلنا نكره الموت ؟ قال:"ليس ذلك كراهية الموت ، ولكن المؤمن إذا حضر جاءه البشير من الله بما هو صائر إليه ، فليس شيء أحب إليه من أن يكون قد لقي الله فأحب الله لقاءه "قال:"وإن الفاجر - أو الكافر - إذا حضر جاءه بما هو صائر إليه من الشر - أو:ما يلقى من الشر - فكره لقاء الله فكره الله لقاءه ".
وهذا حديث صحيح ، وقد ورد في الصحيح من غير هذا الوجه .