{وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ} في أسلوب الحركة في ساحة الصراع الواقعي عندما يختلف الناس في مواقع الفكر ،أو في مواقع الحياة العامة والخاصة ،فتثور المشاعر ،وتتعقد المواقف ،حتى تتحوّل إلى خطرٍ كبيرٍ على العلاقات الإنسانية في المجتمع ،ويتجه الموقف إلى الصدام الذي يهدّد حياة الجميع ،ويقطع التواصل بين أفراده .وهو موقفٌ يمكن مواجهته بأسلوبين ،أولاً: أسلوب السيئة الذي يعمل على إثارة الانفعال الذي يحرك الحقد والعداوة والبغضاء ،ويدفع الموقف إلى القطيعة الجزئية أو الكلية ،وهو أسلوب يعتمد الكلمة الحادّة ،والنظرة الغاضبة ،واليد المعتدية .ثانياً: أسلوب الحسنة الذي يعمل على الدراسة العقلانية لكل مفردات الصراع المتناثرة من أفكار ومواقع ومواقف ،ومحاولة اكتشاف العناصر الداخلية والخارجية التي تضيّق الهوّة بينها ،أو تردمها ،وتجمع العقول والقلوب على قاعدةٍ فكريّةٍ وحياتيةٍ واحدةٍ ،وهو أسلوب يعتمد الكلمة الطيبة ،والنظرة الحانية ،واليد المصافحة ،والالتفاف على كل المشاعر السلبية بالمشاعر الإيجابية التي يختزنها الواقع ..وهما أسلوبان في إدارة الصراع ،يريد القرآن الكريم للإنسان أن يقارن دائماً بينهما ويوجهه إلى اختيار أسلوب الحسنة وهو الأسلوب الأفضل الذي لا يثير المشاعر في حركةٍ عدوانيةٍ ،بل يحتويها في حركة صداقةٍ وأخوّة ..
* * *
ادفع بالتي هي أحسن
{ادْفَعْ بِالَّتِي هِىَ أَحْسَنُ} فإن الإيمان يفرض على الإنسان أن يختار الأحسن في العلاقات ،كما يريده اختيار الأحسن في حركة الحياة ،{فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَليٌّ حَمِيمٌ} وهذا هو الهدف الكبير من استخدام هذا الأسلوب ،وهو تحويل الأعداء إلى أصدقاء ،سواء في إطار العلاقات الشخصية أو الرسالية أو العملية العامة ..ولعلّ تحقيق هذا الهدف يحتاج من الإنسان إلى كثير من الجهد النفسي والفكري والعملي للتمرّد على الضغوط الداخلية والخارجية التي تقوده إلى التفكير العدواني ،والشعور الانفعالي ،وهذا ما عبرت عنه الآية التالية:{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ}