{اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} ليكون القاعدة الفكرية ،والمنهج العملي الذي يريد للإنسان أن يتحرك فيه على أساس الحق ،لأن الإنسان هو المخلوق الذي يعطي الحياة مضمونها الحركي ،بما يخططه لها من نظامٍ واقعي ،وبما يحركه فيها من مشاريع متنوعةٍ ،وهو أمرٌ يتعلق بالتدبير التفصيلي لكل المخلوقات الجامدة والحية والنامية من حوله ،باعتبار أنه هو من أوكلَ الله إليه أمر إدارتها ،وسخّرها له لكل انقياد وخضوع .
{وَالْمِيزَانَ} الذي يزن فيه مقادير الأشياء ،ويحدد مواقعها ،فيضع كل شيءٍ في موضعه ،ويعطي كلَّ شخصٍ حقّه ،ويطلق الكلمة التي تتناسب مع المواقع من جهةٍ ،ومع الخط المبدئيّ من جهة أخرى .
وهكذا يكون الميزان هو المقاييس التي أنزلها الله في وحيه ،لتربِّي الوجدان الإنساني على التطبيق المستقيم للنظرية .
وقيل: إن المراد به «هو الدين المشتمل عليه الكتاب حيث يوزن به العقائد والأعمال فتحاسب عليه ويجزى بحسبه الجزاء يوم القيامة »[ 1] ..وقيل: إن «المراد به العدل ،وسمّي العدل ميزاناً لأن الميزان آلة الإِنصاف والتسوية بين الناس ،والعدل كذلك »[ 2] .
ولكن الظاهر من السياق أن الله يتحدث عما يتحرك فيه الناس في حياتهم على مستوى النظرية والتطبيق ..وقد لا يكون من الظاهر أن يراد من الميزان أصول الدين وفروعه ،التي يتضمنها الكتاب مع الحديث عن الكتاب الذي لا يراد فيه إلا الكلمات بلحاظ المضمون ،وربما كان الحديث عن الميزان متناسباً مع الآيات التي تتحدث عن الكتاب والحكمة ،التي تمثل النهج العملي الذي يطابق فيه التحرك مقتضى الحال ،والله العالم .
وهكذا أنزل الله الكتاب والميزان للناس ،لتستقيم حياتهم على أساس رضى الله ،عندما يأخذون بما وضعه لهم من نهج وشريعة طلباً لرضاه وتخلصاً من عقابه ..ولكن مشكلة الناس أنهم يستغرقون في الحياة حتى يتخيلوا امتدادها إلى ما لا نهاية ،ويستبعدون مجيء الساعة التي يواجهون فيها لحظة الحساب بين يدي الله ،أو ينكرونها ،ويسخرون من حديث النبي عنها ،وهذا ما أراد الله أن يثيره أمامهم في صورة الخطاب للنبي محمد( ص ) كوسيلةٍ من وسائل خطاب الأمَّة ..
الله عنده علم الساعة
{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} فإن الله ،سبحانه ،لم يعط علمها لأحد حتى لرسله ،وجعل احتمال حدوثها قائماً بين ساعةٍ وأخرى كي يترقبها الإنسان يومياً بما يفرض عليه الخوف منها والاستعداد لها .