ثم يشير القرآن إلى أحد أدلة التوحيد وقدرة الخالق ،وفي نفس الوقت يتضمّن إثبات النبوة حيال المتحاججين ذوي المنطق الواهي ،حيث تقول الآية: ( الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان ) .
«الحق » كلمة جامعة تشمل المعارف والعقائد الحقة ،والأخبار الصحيحة والبرامج المتطابقة مع الحاجة الفطرية والإجتماعية ،وما شابه ذلك ،لأن الحق هو الشيء الموجود الذي يطابق مصداقه الخارجي ،وليس له جنبة ذهنية وخيالية .
وأمّا «الميزان » فله معنى عام في مثل هذه الموارد ،بالرغم من أن معناه اللغوي هو وسيلة لقياس الوزن ،إلاّ أنّه في معناه الكنائي يطلق على أي معيار للقياس والقانون الإلهي الصحيح ،وحتى شخص الرّسول( صلى الله عليه وآله وسلم ) والأئمّة( عليهم السلام ) ،حيث أن وجودهم معيار لتشخيص الحق من الباطل وميزان يوم القيامة ،والميزان في القيامة يراد به هذا المعنى .
بناءً على هذا فإنّ الخالق أنزل كتاباً على نبيّ الإسلام( صلى الله عليه وآله وسلم ) بحيث يعتبر هو الحق ،والميزان للتقييم ،والتدقيق في محتوى هذا الكتاب سواء معارفه وعقائده ،واستدلالاته المنطقية ،أو قوانينه الإجتماعية ،وحتى برامجه لتهذيب النفوس وتكامل البشر ...كلّ ذلك يعتبر دليلا على حقانيته .
إنّ هذا المحتوى العظيمبهذا العمقمن شخص أُمّي لا يعرف القراءة والكتابة ،وقد نشاً في مجتمع يعتبر من أكثر المجتمعات تخلفاً ،يعتبر بحدّ ذاته دليلا على عظمة الخالق ،ووجود عالم ما وراء الطبيعة ،وحقانية من جاءبه .
وهكذا فإنّ الجملة أعلاه تعتبر جواباً للمشركين ولأهل الكتاب .
وبما أن نتيجة كلّ هذه الأمور ،خاصة ظهور الحق بشكل كامل والعدالة والميزان تتّضح في يوم القيامة ،لذا فإن الآية تقول في نهايتها: ( وما يدريك لعل الساعة قريب ) .
فالقيامة عندما تقام يحضر الجميع في محكمة عدله ،ويواجهون الميزان الذي يقيس حتى حبّة الخردل أو أصغر منها .