التّفسير
لا تستعجلوا بالساعة !!
الآيات السابقة كانت تتحدث عن واجبات النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،كاحترامه لمحتوى الكتب السماوية ،وتطبيق العدالة بين جميع الناس وترك أي محاججة أو خصومة بينه وبينهم .أمّا الآيات التي نبحثها ،فلكي تكمّل البحث السابق وتثبت أن حقانية نبيّ الإسلام لا تحتاج إلى دليل ،تقول: ( والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربّهم ) وبما أن نقاشهم ومحاججتهم ليس لكشف الحقيقة ،بل للعناد والاصرار تقول الاية ( وعليهم غضب ) .
( ولهم عذاب شديد ) لعدم وجود غير هذا الجزاء للمعاندين .
وقد ذكر المفسّرون تفاسير مختلفة حول المقصود من جملة: ( من بعد ما استجيب لهم ) .
فقالوا: إنّ المقصود هو استجابة عامة الناس من ذوي القلوب الطاهرة ،والذين ليست لهم نوايا خبيثة ،يستسلمون للحق ويخضعون له مستلهمين ذلك من الفطرة الإلهية ومشاهدة محتوى الوحي والمعاجز المختلفة للنبي الأكرم( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
وقد يكون المقصود بها استجابة دعاء الرّسول( صلى الله عليه وآله وسلم ) بحق معارضيه كما في يوم معركة بدر ،حيث أدى ذلك إلى فناء قسم عظيم من جيش العدو وانكسار شوكته .
وأحياناً اعتبروا ذلك إشارة إلى قبول أهل الكتاب ،حيث كانوا ينتظروننبيّ الإسلام( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبل ظهوره ،ويذكرون علامات ظهوره للناس من خلال كتبهم ،وكانوا يظهرون الإيمان والحب له ،إلاّ أنّه بعد ظهور الإسلام أنكروا كلّ ذلك ،لأن مصالحهم غير المشروعة أصبحت في خطر .
ويبدو أن التّفسير الأوّل هو الأفضل ،لأن التّفسير الثّاني يقتضي أن تكون هذه الآيات نازلة بعد معركة بدر ،في حين أنّه لا دليل على هذا الأمر ،ويظهر أن جميع هذه الآيات نزلت في مكّة .
والتّفسير الثّالث لا يتلاءم مع أسلوب الآية ،لأنّه يجب أن يقال: «من بعد ما استجابوا له » .
إضافةً إلى أن ظاهر جملة: ( يحاجون في الله ) يشير إلى محاججة المشركين بخصوص الخالق ،وليس أهل الكتاب بالنسبة الى النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولكن ما هي المواضيع المطروحة المشار إليها في هذه المحاججة الباطلة ؟هناك اختلاف بين المفسّرين:
فقال البعض: إنّ المقصود هو ادعاء اليهود الذين يقولون بأن دينهم كان موجوداً قبل الإسلام وإن أسبقيته دليلٌ على أفضليته .
أو ما دمتم تدّعون الوحدة فتعالوا وآمنوا بدين موسى( عليه السلام ) لأن الطرفين يقبلانه .
ولكنكما قلنا فإن من المستبعد أن يكون الكلام في هذه الآيات مع اليهود أو أهل اكتاب ،لأن «المحاججة في الله » أكثر ما تخص المشركين ،لذا فإنّ الجملة أعلاه تشير إلى الأدلة الواهية للمشركين في قبولهم بالشرك ،والتي منها شفاعة الأصنام أو اتباع دين الآباء والأجداد .
على أية حال ،فالمعاندون الذين يصرون على عنادهم بعد وضوح الحق ،سيفتضح أمرهم بين خلق الله ،وسيشملهم غضب الخالق في هذا العالم والعالم الآخر .