{وَالَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ} في ما أمرهم به أو نهاهم عنه ،أو وجَّههم إليه من مناهج الحياة ووسائلها ،فكانوا خاضعين له ،خاشعين لعظمته ،مستسلمين له في عمق الإحساس بالعبودية المطلقة ،أمام الألوهية المطلقة .
الشورى في الإسلام
{وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ} بما تمثله من إخلاصٍ لله وانفتاحٍ عليه ،وإحساسٍ بحضوره في وجدان الإنسان ،بحيث يخاطبه ويحادثه ويناجيه كما لو كان يراه ،{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} لا يستبدّ أحدٌ برأيه ،بل يعتبر التشاور مع الآخرين منهجاً عملياً للوصول إلى الحقيقة في ما يصلح أمره وأمور الحياة من حوله ..ولا يستبدّ الحاكم بقراره ،بل يعمل على الرجوع إلى أهل الرأي والخبرة والأمانة ليستمع إلى آرائهم في كل أمرٍ من الأمور العامة ،ليزداد بصيرةً في ذلك ،ما يجعل من احتمال الخطأ لديه احتمالاً بعيداً ثم يكون الرأي له .والشورى خط إسلامي يشمل كل مواقع الساحة الفكرية والعملية في المجتمع الإسلامي ،بحيث يكون أمر المسلمين خاضعاً للشورى التي تفتح أمامهم آفاقاً واسعة للتعرف على المصلحة والمفسدة من خلال الآراء المتنوّعة التي تقدمها حركة الصراع بين الأفكار وتصادم العقول والتلاقح بينها ..وقد ورد في بعض الكلمات المأثورة: «من شاور الرجال شاركها في عقولها » .
ويمكننا استيحاء هذا المنهج في كل مواقع المسؤولية ،حتى في المواقع التي لم يكن قرارها بيد الناس ،بل كان بيد الله ،كما في النبوّة ،أو في الإمامة ،في رأي الشيعة الإمامية ،فيما كان أمر التعيين بيد النبي( ص ) بأمرٍ من الله ..كما جاء في قوله تعالى في خطابه للنبي( ص ) في القرآن:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [ آل عمران:159] .وقد كثرت الأحاديث عن الأئمة من أهل البيت في التأكيد على الشورى وفي أن «من استبدّ برأيه هلك ،ومن شاور الرجال شاورها في عقولها »[ 1] وفي ما روي عنه( ص ) «ما من رجل يشاور أحداً إلاَّ هُدِيَ إلى الرشد » .ما يوحي بأن الشورى تمثل خط السلامة في حركة المجتمع الإسلامي على مستوى القيادة والقاعدة .وفي ضوء ذلك ،قد نستفيد من هذا النهج ،أن وجوب إطاعة أولي الأمر ،لا تمنع من توجيههم إلى الأخذ بالشورى في إصدار قرارهم ..بل قد يمثل استبداد غير المعصوم في رأيه ،انحرافاً عن الموقع الشرعي الذي يقف فيه ،ويكون كافياً لعزله ،عندما يتخذ قراراته بغير علم إذا لم يكن من أهل الخبرة في موضوع القرار ،أو إذا لم تكن خبرته كافيةً للوصول إلى وضوح الرؤية فيه .
وربما كان للمتأمل في القرآن أن يستوحي من الآية ،أنّ الشورى هي القاعدة في كل أمرٍ من أمور المسلمين ،إلا إذا ثبت التعيين من دليل خاص ،لأن كلمة{وَأَمْرُهُمْ} وإن لم يكن لها عموم أو إطلاق ،في ما يناقش فيه البعض ،إلا أن ظهورها في العنوان الذي يمثل الوضع الإسلامي من ناحية المبدأ ،قد يوحي بالعموم من هذه الجهة ،والله العالم .
الإنفاق وروحية العطاء
{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} لأن الإنفاق يمثِّل روحية العطاء التي حوّلها الإسلام إلى عبادةٍ في مواضع الحقوق الشرعية كالزكاة والخمس والصدقة ،وأراد أن يكون الإتيان به بقصد القربة وهي عنوان العبادة في الصلاة والصوم والحجّ .
وإذا كان الإنفاق سمة المجتمع الإسلامي الإيماني ،فإن ذلك يوحي بتبنيه مبدأ التكامل الاجتماعي ،الذي يجعل كل فرد من المجتمع مسؤولاً عن كفالة فرد آخر في ما يحتاج إليه في حياته من موقع الحق ،لا من موقع التبرّع ..إضافة إلى أن القيادة الإسلامية للمجتمع تقوم بتكفل كل ذوي الحاجات الصعبة من موقع المسؤولية .وهو أمر تناولته النصوص الدينية التي تحدثت عن مسألة الإنفاق في حياة الناس العامة .
وقد لا يقتصر الأمر على الإنفاق على المحرومين من الناس ،بل يمتد الأمر إلى كل سبيلٍ من سبل الله ،وكل طاعةٍ من طاعاته مما تحتاجه الدعوة ،ويفرضه الجهاد في سبيل الله .