{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ} من القوى الطاغية المستكبرة التي تريد تحدي حريتهم ومصادرة قرارهم ،والسيطرة على مقدراتهم ،والضغط على أفكارهم ،ليصبحوا مجرّد أتباعٍ لها ،خاضعين لتعاليمها وأوامرها ونواهيها ،فلا يملكون معها إرادةً ،ولا يستطيعون الاستقلال في مصيرهم{هُمْ يَنتَصِرُونَ} فلا يخلدون إلى الضعف ويجعلونه مبرّراً لانحرافهم وسقوطهم في أوحال الذل ،بل يعملون على صناعة قوتهم وتحريكها لمواجهة الطغاة المستكبرين ،ليهزموا قوّتهم ،ويُسقطوا كبرياءهم ،لتكون القوّة للمؤمنين ،والضعف للكافرين ،وليكون الدين كله لله ،في ما يمثله موقف المتدينين من العزة والحرية والقوّة .
وقد يتصور البعض أن هناك نوعاً من التنافي بين هذه الآية والآية السابقة التي تتحدث عن المغفرة عند الغضب ،ولكن الظاهر أن تلك الآية تحدثت عن الانفعال الذي لا يسيطر على المؤمن ،بل يترك مجالاً للتفكير بالعفو الذي قد يكون الموقف الصحيح الملائم للمصلحة .أمّا هذه الآية ،فتتحدث عن ساحة الصراع التي يقف فيها المؤمنون أمام الباغين الذين يريدون إسقاط الساحة الإيمانية تحت ضغط البغي الكافر أو الظالم ،ما يجعل من مسألة الانتصار ،انتصاراً لله ولرسوله وللإيمان ..لا حالةً ذاتيةً تتصل بالمعنى الأخلاقي للسلوك الفردي .ومن هنا كانت الآية في مورد تأكيد القوّة في الموقف ،في ما توحي به كلمة الانتصار من المعنى ،لتكون المسألة أن يأخذ الإنسان بأسباب القوّة التي تتوازن ولا تعتدي ،وتفكر ولا تنفعل ،وتحسب حسابات الحركة التي قد تؤدي بها إلى أن يكون الموقف هو موقف العفو الذي يؤكد القوّة ،لأنه يكون عفواً عند المقدرة ،ما يجعل تأثيره على العدو في الانتصار المعنوي ،أكثر من الأخذ بالانتصار بالقوّة الجسدية القاهرة .