/م36
المفردات:
البغي: الظلم والعدوان .
ينتصرون: ينتقمون بمثل ما عوقبوا به .
التفسير:
39-{والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} .
كانوا ينفرون من الضيم والذل والاستكانة .
قال النخعي: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم ،فيجترئ عليهم الفساق .
وقد ورد عن عمر رضي الله عنه: من استغضب ولم يغضب فهو حمار .
والمؤمن كريم على نفسه وعلى ربه ،حيث قال تعالى:{ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ...} ( المنافقون: 8 ) .
فالإنسان المتزن يعرف متى يصفح ،ومتى ينتصر وينتقم ،فهو أمام الذليل الضعيف يعفو عفو القادر ،وأما الباغي المعتدي ينتصر وينتقم ،كما يشير إلى ذلك قول الشاعر:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته *** وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
فوضع الندى في موضع السيف بالعلا *** مضر كوضع السيف في موضع الندى
وعند تفسير ابن كثير وغيره من المفسرين لهذه الآية قالوا: أي فيهم قوة الانتصار ممن ظلمهم واعتدى عليهم ،ليسوا بالعاجزين ولا الأذلين ،بل يقدرون على الانتقام ممن بغى عليهم ،وإن كانوا مع هذا إذا قدروا عفوا ،والأمثلة الموضحة كثيرة ،منها: عفو يوسف عليه السلام عن إخوته ،وعفو النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن أهل مكة بعد فتحها ،وعفا صلى الله عليه وسلم عن أولئك النفر الثمانين الذين قصدوه عام الحديبية ونزلوا من جبل التنعيم ،فلما قدر عليهم منّ عليهم مع قدرته على الانتقام منهم ،وعفا عن غورث بن الحارث الذي أراد الفتك به ،حين أخذ السيف النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم ،فاستيقظ صلى الله عليه وسلم وهو في يده مصلتا فانتهره ،فوقع السيف من يد غورث بن الحارث ،فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم السيف في يده ودعا أصحابه ،ثم أعلمهم بما كان من أمره وأمر هذا الرجل ،وعفا عنه ،وغير ذلك كثير .اه .
قال شوقي:
وإذا عفوت فقادر ومقدر *** لا يستهين بعفوك الضعفاء
وإذا خطبت فللمنابر هزة *** تعرو الندى وللقلوب بكاء
وإذا سخوت بلغت بالجود المدى *** وفعلت ما لا تفعل الأنواء
وإذا رحمت فأنت أم أو أب *** هذان في الدنيا هما الرحماء
وإذا مشيت إلى العدا فغضنفر *** وإذا غضبت فإنك النكباء
وإذا أخذت العهد أو أعطيته *** فجميع عهدك ذمة ووفاء
فائدة:
قال الزمخشري عند تفسيره قوله تعالى:{والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} .
فإن قلت: أهم محمودون على الانتصار ؟قلت: نعم ،لأن من أخذ حقه غير متعد حد الله وما أمر به ،فلم يسرف في القتل إن كان ولي دم ،أو رد على سفيه محاماة عن عرضه وردعا له ،فهو مطيع ،وكل مطيع محمود .اه .
/خ43