هذا موصول رابع وصلته خلق أراده الله للمسلمين ،والحظ الأول منه للمؤمنين الذين كانوا بمكة قبل أن يهاجرون فإنهم أصابهم بغي المشركين بأصناف الأذى من شتم وتحقير ومصادرة الأموال وتعذيب الذوات فصبروا عليه .
و{ البغي}: الاعتداء على الحق ،فمعنى إصابتِه إياهم أنه سُلّط عليهم ،أي بغي غيرهم عليهم وهذه الآية مقدَّمة لقوله في سورة الحج ( 39 ،40 ){ أُذِن للذين يقاتَلون بأنهم ظُلموا وإنَّ الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق} فإن سورة الحج نزلت بالمدينة .وإنما أثنى الله عليهم بأنهم ينتصرون لأنفسهم تنبيهاً على أن ذلك الانتصار ناشىء على ما أصابهم من البغي فكان كل من السبب والمسبب موجِب الثناء لأن الانتصار محمدة دينية إذ هو لدفع البغي اللاحق بهم لأجل أنهم مؤمنون ،فالانتصار لأنفسهم رادع للباغين عن التوغل في البغي على أمثالهم ،وذلك الردع عون على انتشار الإسلام ،إذ يقطع ما شأنه أن يخالج نفوس الراغبين في الإسلام من هَوَاجِس خوفهم من أن يُبغى عليهم .
وبهذا تعلم أن ليس بين قوله هنا{ والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} وبين قوله آنفاً{ وإذا ما غضِبوا هم يغفرون}[ الشورى: 37] تعارضٌ لاختلاف المقامين كما علمت آنفاً .
وعن إبراهيم النَّخعي: كان المؤمنون يكرهون أن يُستذلّوا وكانوا إذا قدَروا عفَوا .
وأدخل ضمير الفصل بقوله: هم ينتصرون} الذي فصل بين الموصول وبين خبره لإفادة تقوّي الخبر ،أي لا ينبغي أن يترددوا في الانتصار لأنفسهم .
وأوثر الخبر الفعلي هنا دون أن يقال: منتصرون ،لإفادة معنى تجدد الانتصار كلما أصابهم البغي .
وأما مجيء الفعل مضارعاً فلأن المضارع هو الذي يجيء معه ضمير الفصل .